- كل هذه اللوحات التي قتلها الحريق كما قتلت القذيفة كل الأحلام .. لا .. هذا البيت بعيد عن الحرب وأي حرب يا وصال، ستعيشين فيه هانئة مطمئنة .. لن تخافي بعد اليوم، سأرسمك بهدوء من دون خوف، سأرسمك من الآن وإلى الأبد .. لا اريد لوحات لست موجودة فيها، سأرسم كاميليا الصغيرة مع دماها، سأرسم رنا وهي تقلدك في زينتها، سأرسم عصام وهو ينحني على يدك ليقبلها، هؤلاء منك، من لحمك ودمك ..سأنصرف كليا إليكم جميعا. لا أريد أن أخرج بعد اليوم من هذا الإطار، أريد أن أعيش لكم أنتظركم وأرسمكم .. لن أخرج من عباءتك الجميلة يا وصال، لن أخرج من عيني كاميليا الضاحكتين أبدا.



- أنت التي لم تفارقيني خمسة عشر عاما متواصلة، وهاهي أيام طويلة تمر كالعلقم بدون أن نكون معا، أيام دون شموسها ودون أقمارها، أيام سوداء ليلها نهارها، وذكرى الفراق الحزينة، وأنا الىن أنتظر اللحظة يدك تدق الباب، وكل لحظة يدك تدق الباب، لا أتصور يدا أخرى تطرق بابي، لا اتصور امرأة أخرى تنام في سريرك، أو تأكل في صحنك، لا أتصور امرأة أخرى تقف إزاء لوحتي وأنا أرسم وهي تحبس أنفاسها.. لا اتصور يدأ توقظني وأنا نائم غير يدك..



- صباح جديد في مدينة أخرى، العالم كبير ولا يتسع لحزني، السماء ممتدة إلى ما لانهاية ولا تتسع لحزني، الأنهار حيث تصب، والبحار حيث تتحرك امواجها لا تتسع لحزني. أنا الهارب أبدا من جناح إلى جناح، من شجرة إلى شجرة. من مركب إلى مركب كي أنسى فلا انسى.

وصال شعرها على كتفي، عطرها في صدري ، صوتها يمسح كل الأصوات. أيدي "عصام" و"رنا" و"كاميليا" تلوح لي من كل مرفأ وأنا تشدني الريح كريشة طائر بعيدا بعيدا. ما أشد ما انا فيه لماذا هذا البعد عن التراب الذي يدثر اجسادهم؟ كيف أمضي دون هدف.. أريد أن انسى فلا انسى .. اللحظة تلو اللحظة .. يحضر المشهد الفاجع أمام عيني كأنه وقع اللحظة .. نتف من اللحم والدم مرمية في زوايا البيت المتهدم .. اللحظة.. يد كاميليا في يد وصال .. وجثة "رنا" .. اللحظة لا أعرف قلب من هذا الذي خرج من صدر ما، أهو قلب الأم يصرخ فزعا، أم هو قلب الصغيرة "كاميليا".

عودة