- كان المقهى يغص بكل أطياف المجتمع ، والمفارقة كانت في اجتماعهم في مثل هذه الأمكنة..المقاهي ، المقاصف،الكازينوهات ..بيوت الدعارة ، إذ تجمعهم ذات الطاولات ، ويعقدون ذات الصفقات للعهر بالوطن ، ويتكلمون ذات الأحاديث وبنفس الأخلاق التي إن نمّت فإنها تنمّ عن وطنية مغرقة بالوفاء وحب الأرض ، ثم يخرجون إلى الشارع ليقتتلوا..في الداخل توحدهم نزواتهم ، وفي الخارج يفرقهم الدين ، فالرب موجود فقط في الخارج ...كما يعتقدون!.



- وفي الطرف الآخر كانت المقاومة تبني أسسها بيديها العاريتين من كل شيء الا الإيمان بالتراب ...وجميع الذين كانو يتقاذفون التهم والشتائم منذ قليل جلسوا على الطاولات ليكملوا لعب الورق والقمار...جميع الناس من كل الطوائف والأديان يتشابكون كالديكة الجربة في أوقات الدمار والقتل والدم ، ثم يهبط فجأة وحي الهدنة حين يبدأ التلفزيون ببث العهر ...شعب تفرقه آلامه وتلمه شهواته وقباحاته!!.



- وسقطت الرهانات ..فالإجتياح هو الذي أعاد اللحمة لهذا الشعب ، والإجتياح هو ذاته أسقط عوامل الفرقة والتناحر والإقتتال ، لقد رقص عصفور طربا ودبك رجال المقهى ، عندما وافتهم الأنباء ،فالجميع يقاتلون ويستشهدون ...ليس في خلدة وحسب بل في الضاحية والجبل وبيروت الغربية ، والرمل العالي والمطار والليلكي ، وكل البنادق الموجهة خلال الحرب الأهلية إلى رأس البلد قد وجهت الآن إلى رأس اسرائيل .



- ثمة احساس كان يدغدغ وجدانه ، كقشة علقت في ثيابه تذكره بها مع كل شهيق يمارسه ، وأدمن النوم بمحاولة منه لإسترجاع ذاك الحلم المخملي الذي يأبى أن يفارق مخيلته ، حتى في لحظات تبوله.

لم يكن يعرف أن الحب مثل الأنفلونزا يأتيك بآلاف الأشكال ، ولكنه في النهاية يتسم بذات الحمى ظن في بداية الأمر أن هذا الحب أشبه بإشتعال الهشيم لا يلبث أن يخبو ...مثله مثل أي حب عارض في حياته ، أو كأي امرأة لاقاها قبل شهيرة .



- كانت ستفعل من أجلك أشياء كثيرة ...أشياء أسمى من الحب ...وأدفأ من الوطن ، ولكن جاءت لعبتنا ...جاءت مؤامراتنا المقدسة لتنسف كل شيء ...أنا نادمة على ماقمت به ...لو كنت أعلم أنها ستؤذي نفسها وهي ترى زوجها عاريا ..خائنا ...لما أقدمت أنا وأنت على التخطيط لتلك المؤامرة التي اعتبرناها ...ضحكا على الله وعلى أنفسنا ...المؤامرة المقدسة.

لو كنت أعرف أنها ستنتحر لما أقدمت على ذلك ...أقسم لك أنا كنت مفجوعة مثلك لمقتل زوجي ..فجعت بموته وبمن قتله ...ثم فجعت بنفسي لأنني السبب في حدوث كل ماحصل .

عودة