-كانت تضحك لأي كلمة أقولها، وما أجمل الضحكة عندما ترتسم في عيون حالمة تتعلق بكل حركاتي، وتزداد تعلقا لدرجة

أنني شعرت بتسلل شعاع عينيها وظلال أهدابها إلى شغاف قلبي.

تظاهرت باللا مبالاة، وحاولت ألا تلتقي نظراتي ونظراتها، ولا سيما أن بيني وبين خطيبها تلك العلاقة التي تربط بين أبناء القرية الواحدة.

لم أرها إلا بعد عدة شهور وتحديدا في اليوم التالي لعرسها، شعرت بالرهبة عندما رأيتها في ثوب العروس.

ابتسامتها وحدها أعادتني إلى طمأنينة حذرة.



تقدمت للمباركة، فشدّت على يدي لمرتين متواليتين، ولم أردّ الحركة بأحسن منها، أو مثلها على الأقل.

2- تابعت سيري دون هدى إلى منطقة خالية، حيث يحتضن سهل حوران بحيرة شديدة الصفاء والعذوبة، تمتد أطرافها بفوضة محببة،

تتراقص في مياهها ظلال أشجار الكينا.

جلست وحيدا في خاصرة البحيرة من الجهة الجنوبية الغربية. وأحسست أنها تحتويني، لأصبح جزءا منها، فأغمس قدمي في الماء الذي

يضطرب قليلا وما يلبث إلى أن يعود إلى سكونه في إشارة واضحة لقبول البحيرة بوجودي كجزء منها.

حدثتني أمواجها الهادئة حديثا وادعا بكلمات دافئة متكررة وكأنها كلمات ترحيب.

فهمت كلماتها وأمعنت في إغراق قدمي في المياه متناسيا آلام الروماتيزم في ركبتي.

3- استطلع خليل الأمر كغيره من سكان القرية، فقيل له إنه جدار من أجل الصهاينة.

حدث خليل نفسه: لقد نجحت في كسر الحاجز النفسي بيني وبين الشيخ علي، ومن أجل عينيك يا سعدى. الآن عليّ كسر هذا الحاجز

الإسمنتي لأرى سعدى في إشراقة الشمس والشعاع من حولها فتلوح لي بيديها. ولأعود سابحا في الشفق بعد نهار طويل.

وليبقى القطيع موحدا. إن فعلتها يا خليل ستكون رجلا حقيقا،

وستكون وفيا لمن تحب، وإلا فلا حاجة للناس بك ولا حاجة للأغنام بك يا خليل.

أيام قليلة وإذا بزغرودة أم خليل تنطلق ملئ الفضاء وهي تشاهد أجزاء من الجدار الصامت تتطاير كالغربان ويدنّس

الفضاء أشلاء من جنود الصهاينة وقطعا من جرّافاتهم.

4- جاء أصدقاء المختار لمشاهدة الحصان، والمباركة له بهذه الركوبة الجديدة. حتى الشيخ مجيد أبدى إعجابه بالحصان،

وقال: الخيل في نواصيها الخير. وتفضل بدعاء طويل سرّ له المختار، فناوله شيئا دسّه الشيخ مجيد في جيبه بسرعة البرق.

انفضّ المجلس والحصان مربوط أمام مضافة المختار.

اشتاق المختار للحصان، فقام من مجلسه ليتأمل حصانه. وحدّث نفسه بفخر واعتزاز: تستحقه يامختار.

وبينما هو يتأمله، وإذا بالحصان يصغر حجمه، ثم يصغر، فإذا هو حصان بحجم القط ، ثم يصغر حتى غدا حصانا بحجم

الفأر. ينفلت من مقوده ويدخل في قسطل ماء قديم.

صاح المختار بأعلى صوته: الحصان...الحصان ياناس...الحصان... فاجتمع الجوار وهم يتساءلون: مابه يا مختار؟

أشار المختار بيده أن الحصان دخل في قسطل الماء القديم. نظر الناس في وجوه بعضهم، وتردد: لا حول ولا قوة إلا بالله...



مسكين المختار. لقد فقد عقله.

عودة