- علمتني "سلاف" الكثير ومنذ أن أحببتها شعرت بأن حبي لها طغى على كل المخلوقات، لقد عرفت نقاء الحياة، أو بصدق أكبر عرفت الحياة، وتمسكت بها بقوة هائلة، وكم صدمت حين أدركت أن حياتي قبل سلاف لم تكن سوى اجترار بطيء للموت، كنت أعيش برتابة وطمأنينة، وأسير متباهياً كأني رجل عملاق، محسود على حياته، لم تكن أيامي ملأى بالعظائم التي تثير حسد الآخرين، ولكن الفراغ المحيط كان يلائم قزميتي، ويؤجج نشوتها، عشت زمن ما قبل سلاف محاولاً التمرد على كل الأفكار القبلية غير البناءة، وشرعت- فقط داخل رأسي- بصياغة أفكار جديدة، شاعراً بأن لها القدرة على تغيير العالم كله، وربما الكون أيضاً، كان الواقع أقوى مما ظننت، وكانت العزلة هي المأوى الوحيد الذي فتح لي بابه بصدر رحب.



- استطاعت أمل أن تدخل في الزمن القادم وتفتح صفحة بقلبها، لم تقف صامتة وناظرة فقط، بل شاركت في تنهداته وحركاته، وانفعلت فيه، وعاشت كعاشقة له، آملة أن تغير في كيانه وتشبعه بحبها، لقد خرجت من لحظتها المنغلقة على نفسها، وسارت إلى الأمام- إذا افترضنا المستقبل في الأمام- وأوجدت لنفسها كل اللحظات الماضية والحاضرة والمستقبلية، وتنقلت حاملة كماً هائلاً من الحوادث من لحظة إلى أخرى، لم تقنع أن الزمن يسطر وحده ما يشاء مهملاً حياتنا، بل تمكنت من وضع نفسها هناك في اللحظات القادمة، وراقبت حياتها من موقعها الآتي بدقة، كانت تقبل حبيبها وهما معاً في الأمام، وتبكي على صدره من فرحتها.

أمل هي الزمن..



- تتبلور حدود المكان داخل زمن منهمر متراقص ، متجاذب ومندفع، تختلط فيه كل خلايا "القَبْل" و"البَعْد"، الحدث ليس ماضياً فقط، فربما يكون قد حدث غداً، وله تأثيره الآن، وذلك بفعل الضرورة-باعتماد التسلسل المنطقي للفعل-. أعتقد أنه ليس هناك من حتمية صرفة تحكم نظرتي للزمن، باعتباري كائناً محكوماً بمكان لم يستطع الفكاك منه إلى الآن.

سأسمح لنفسي إذا كان ممكناً- أن أفكر بهذا الشكل: الماضي لا وجود له، ذلك أنه ينوجد في اللحظة التي نفكر فيها، ويصبغنا بصبغته المستقبلية، وهو في حال وجوده،لا يوجد إلا حاضراً، وكل ما نراه من آثاره، هو رؤية حاضرة.

عودة