- الآن فقط أشعر بالحاجة إلى دفء يديها .. يداي تتكلّمان على حروف بداية قصيدة أكتبها .. أحسّ بالحروف نافرة وأقرؤها بأصابعي :بولينا "حبّةُ لوز تتكسّر فوق الكرسيّ ". . وأتذكّر بولينا

آه بولينا .. في بيروت التقيتها.. وحين تداهمني صورتها لا أستطيع أن أتخيّلها سوى ورقة رقيقة من البنفسج … لها وجه ملاك في ربيع العمر، ولكنّ رأسها مليء بأفكار خريفيّة . حزينة دائماً . . ولكنّني لم أرها يوماً تبكي ..

-أصحّح جلستي وأنا أحسّ بقرقعة عظامي .. أنظر إلى الساعة : ـ أف .. انتصف النهار أيّها الرزين .. وحان الوقت كي تغوص في رداءات الحياة . استنهض همّتي بتثاقل شديد وأنا أتذكّر قول خليل حاوي :

بيني وبين الباب أقلام ومحبرة ،

صدىً متأفّفٌ

كُوَمٌ من الورقِ العتيق .

همُّ العبورِ،

وخطوةٌ أو خطوتان

إلى يقين الباب ، ثم إلى الطريق .



-أما أنا فقد كنت أعدّ هزائمي بصمت .. وحين داهمني أحمد برغبته في أن أشاطره جريمة خرق السكون ، بدا لي للوهلة الأولى أن ثرثرته هي سبب وجومنا ، ثم اكتشفت أنني لا أتقن فعل المجاملة ... إلى درجة جعلت اللغة تتسّرب من ذاكرتي ، وتتلاشى الحروف في الهواء .



-وهكذا أمسيت - بوصفي كاتباً - أمسيت ممسحة للجهتين : الناس يحملونني مسؤوليّة شقائهم، ومن يعدّون أنفسهم مسؤولين في الحكومة يحمّلونني مسؤوليّة تبرير تجويع الناس.

ولأنّني مطالَب من الجهتين، تهملني الجهتان معاً : الناس يظنون أنّني بجرّة قلم أستطيع إجبار الحكومة على تغيير سياستها .



-والحكومة تريدني أنموذجاً في التحمّل، ويجب أن أكون مثلاً للآخرين في الصبر على المصائب، وإيكال أمري لله في الملمّات، والخنوع إلى ماتؤول إليه أحوالي بوصفه قضاءً وقدراً، وبالطبع لايستطيع أحد الادّعاء بأنه قادر على ردّ القضاء.



-أحبك ياأبي .. أحبك ياأمي .. أحبك ياجدّي العاشر … وأسأل :

-لماذا خرجنا من الأندلس ولم نُدفن فيها ؟! …

أيّ عيش تضمنه عائلتي لي وهي تخلّفني هنا، وتدعوني إلى هناك … ترميني إلى شفا حفرتين بين علاقات حميمية تخفي اغتيالاً يتأهّب، وعلاقات براغماتية تتطلّب تأهّباً دائماً للاغتيال .. أو للحذر منه …

يعيش العرب .. تعيش أمريكا

وأسقط أنا ريشةً في مهبّ الريح

بانتظار مولـد جديد

بلا حرّية .. ولا … أمريكا

عودة