- هدأت العاصفة وتوقف الثلج عن الهطول، وانقشعت أبعاد الظلمة، وبانت نجوم السماء، ولم يكترث الصبي لجمال لمعانها، فلمح من بعيد بصيص ضوء خافت، بدا له وكأنه معلق بالسماء، وبشكل لا إرادي صاح بأعلى صوته مستغيثاً، لكن صرخته المستجيرة ضاعت عند حدود الوادي الذي أصبح أمامه غولاً آخر أكثر قسوة وأشد هولاً، وأصبح حلمه أن يتجاوز الوادي إلى جانبه الآخر صوب الضوء، وتمنى لحظتها لو يسرق "الشمس والقمر" ليهتدي إلى طريق الوصول للضوء الذي كان يخبو أحياناً ويعود للظهور بشكل متقطع، وقد أضاء هذا البصيص جميع القناديل المطفأة داخل روحه، ولم يعد يسير بسرعة وتصور الوادي وكأنه أفعى عملاقة لا بل بحر واسع وعميق تملأه العفاريت والظلمات.



- هبط أبو محمد بيده الأسطورية على الحجر، فتحول إلى قطعة ميتة لا حياة فيها، وبعد تلك المراهنة، ذاع صيته وأصبح مشهوراً أكثر من الطاحون والطحان، وعندما يسأله البعض كيف تجرأت ووضعت يدك على حجر ضخم أعمى، يدور بسرعة هائلة؟ كان يردد قولاً للإمام "علي" عندما سألوه كيف تصرع الأبطال؟ يقول فيه: «عندما أرى الرجل، أقدر أنني سأقتله، فأصبح أنا ونفسه عليه فأصرعه».



- بعد انزوائها في غرفتها الصغيرة، التي تحولت إلى شكل خارجي لسجنها الروحي، هبت على عالمها البسيط الجديد الذي أقامت له المبررات والحجج عاصفة جديدة، ولم تكن غادة هذه المرة قادرة علة تحمل أي نوع من الإخفاق، فالذي تحملته يكفي لإزهاق أرواح العديد من النساء.. فهروبها من أوزار الضياع.. هروب الروح إلى السماء، حاملة في مكنياتها أحزانها و قيودها..



- استمر المشهد لحظات، ودخان عظم الرجل يطوف في أجواء المغارة، تلفه سحابة من الألق الذي يصاحب هبوط شمس الصباح على السفوح الشاهقة الحالمة بلمسة طهر، تفوق في سحرها أديم غسق الخريف الذي بدأ يهبط مبكراً.



- سمعه الحكيم حتى النهاية، وقال له: «تمهل يا ولدي، واجلس، فكل شيء في هذا الزمن الغريب له تفسير»، فأما العين التي تحولت مياهها من مياه صافية إلى ضحلة، فهي كالناس ظاهرهم صاف وباطنهم أسود، والبقرة التي ترضع من ابنتها، فهي كالأم الخاطئة في هذا الزمن، تقود ابنتها جريرة فعائلها إلى الخطيئة.

أما الجمل الهزيل في المرج المخضر بفيض النعم، دليل على وجود الخيرات الكثيرة في هذه الدنيا مع جيوش الجياع الحفاة بلا مأوى. والذئب ارجع إليه، وقل له أن يكون ذئباً ويختار نصيبه، فهو صادق ويحرس الغنم فعلاً الآن، فتصور يا ولدي أن يحرس الذئب الغنم؟!

عودة