- دمشق امرأة تمارس الغواية مع الجسور والفضاءات المغلقة، أمضي مع الذاهبين ، أصل إلى باب البيت وحيداً ، قبل أن أدخل أخلع حذائي وأنسى وصايا الأموات. الممر صامت، غارق في الصمت. رائحة ثيابي العفنة التي خلعتها منذ سبعة قرون.

المشجب نفسه الخدوش نفسها، الابتهال العتيق للسقف، للنوافذ، سيفي الصدئ وحمالات الخناجر. تخرج أمي بثوب شفاف وراءها رجل يضيع عمره في الأوهام يرتدي قميصه فأتغاضى عن ارتباكه وأسمع صوتها.



- وحيد.. رجل وحيد في صباح دمشق، القوافل تمر بقربي ولاأحد يشتري حقدي، وحدتي، وهذياني الأخير.

صباح دمشق غبار ووقع أقدام ثقيلة، عشب متمارض ونهر يحاول الهنهنة، أقترب، يبتعدون. رجال الملك بأثوابهم الملمعة، ووجوههم الشرسة، بنادقهم، جيوبهم المثقوبة، فرارهم المعطل.



- الجهات واحدة في عفرين ، عفرين اللمسة الأولى، بكارة الاخضرار، ماضيعت من طفولتي ومالملمت من دروب لأصل إلى قبر أبي ، السماء قصديرية ، خضراء لافرق مادامت دون رتاج تغلف المرأة الكردية الممسكة برسن البغل الأبيض حيث حقول السماق على ضفة النهر المنطفئ الضفاف، بقدميها الحافيتين وثوبها الشغوف بالبرعمة توقفت، وعفرين ضبابية تتراءى من بعيد، من الجهة التي لاأعلم، لايعلم أبي المسحور باندلاق الشفتين، لاتعلم المرأة الكردية، تتراءى كقبة مسجد مهجور.



- وحيداً، كما أنا دوماً، لاأدخل من الأبواب المغلقة يهدني خروجي والأقمار في الليالي التي من نحاس مدلاة على بوابات دمشق، دمشق هاوية الانتظار وأسوار البللور، قريباً من رائحة نسائها وبول رجالها، قريباً من آخر انهداماتها أقعي على بواباتها كابن آوى نسيته الوحشة واستبد به الشوق لصوت الذئاب الآن، الآن دمشق تشطرني.



- ماأنا إلا حارس الخديعة وملك أثوابها المثقوبة، أدخل متاهة صمتي الغارق في سكون الأشياء، من حولي القبور المبعثرة، الأبواب المفتوحة على غرف مهجورة دون أنفاس ودون ستائر، النوافذ المخلوعة، الدروب المقفرة والذكريات البعيدة، أترك الجسر المنهار على رؤوس السائحين وضفاف النهر العابقة برائحة السماق ووقع حوافر بغل أبي الأبيض، على دربه الذي يعرفه أكثر من أي درب آخر.

عودة