- هل تذكرين كم تذللت إلى أسرتك ضارباً بكرامتي عرض الحائط وعبثاً حاولت إقناعهم بجدوى ارتباطنا؟ كم عانيت لإفهامهم بأن الحب هو أساس الأديان ، وأن السعادة في التقاء القلوب النقية هي قوانين السماء الحقيقية؟

لكن الفشل كان دوماً يصفع محاولاتي المتكررة بأجوبة الرفض القطعية والمستحيلة ، بل كم من الرسائل خطتها أناملي بوجع الغربة وأنين القهر والرغبة بموافقتهم لأجل راحة أرواحنا التي عاقبوها بتمزيق ممتلكاتها الخاصة مثلما مزقوا كلمات رجائي وأملي، أنسيت أم أذكرك؟

لا أعتقد أن بإمكانك نسيان الصرخات المجروحة التي ناشدتك بها أن ترحميني وتكوني صاحبة قرار حاسم لا يخضع لأي قانون سوى قانون القلب.



- كنا باختصار كمعظم العراقيين الذين أدمتهم مخالب حاكم دفع بانتماءاتنا قروناً من الانهزام والتشتت، يبدو أننا كنا سعداء بالرغم من فداحة بؤسنا ، ذلك لمجرد أننا استطعنا الإبقاء على حياتنا، بل الانسلال من بين أصابع بحثه المتهور عن بقايا أجسادنا، يصنّع من شرايينها بزّاته المضادة لاختراق غطرسته أو تمزيقها.

وأيضاً ذات يوم احتفالي آخر، اشتاق وطن، فحلّق وعانق أسرتي التي فقدتُ الأمل بسلامة مصيرها، مثلما كنت فقدت الأمل بلقائها ، والدي مدرّس باحث في جامعة لندن ، المنفى الذي اختار ، إنه أحد المغادرين وطناً احتضرت في بقايا أنفاسه حشرجات الإبداع وتناثرت أكفان وجدانه في كل مغترب ومنفى.



- اليوم هو التاسع من أبريل عام 2003 سأغادر في الطائرة المتجهة إلى لندن عند الساعة الواحدة ظهراً.اتفقت مع ميرا أن أمرّ عليها لترافقني إلى المطار، أردت أن أشعر بخفقاتها تلازمني إلى آخر محطة ، لم تكن المرة الأولى التي أسافر فيها وحيداً دون أحبة ووداع، لكنها الأولى التي رافقتني فيها ميرا لتودعني في رحلة غير محبذة اقتادتني إليها الضرورة رغماً عن إرادتي، وبرغبة بطيئة أدمنت الغربة وأوجاع الترحال.

عودة