-فقط لحظتها.. بدأ بوح الحب فينا أكبر من اللغة، وأصغر من الواقع

غابت الكلمات، حتى النظرات كانت تخشى لقاء ساخناً. كان الخوف يزمجر، يعصر قلبينا بفكيه. ليس كالخوف يصنع صمتاً بين حلمين، وبيننا كان هناك تاريخ من الخوف.. يوغل بعيداً في الماضي، يكبل أجدادنا حتى أطراف سلالتهم.. ولاينقطع.

من الذي قال إننا لانذكر حياة أجدادنا، إننا لانعيشها.. ألم أكن عندما سطرت كل قبيلة كتابها لأحلامها، وقالت: هو الحق. حين تكشفت الأرض عن جماجم مقفلة طوحتها الأوهام، وصارت كل قبيلة طائفة.



- من مثلي عاش هذا القدر من الرعب والألم والحزن.. بعضكم سمع بشيء من هذا.. وبعضكم لم يسمع.. وفي الحالتين تتحدثون عن استنكاركم له وكأنه يحدث في عالم آخر. فقط تأملوا حياتكم.. انظروا كم من الحقد واللؤم تنثرون عن يمينكم وشمالكم في كل خطوة من حياتكم.. أصبحت خبيراً بكم.. لم تعد تخدعني الأرجل الزرقاؤ والأجساد المرتجفة.. حتى صاحب العصا عندما خانته لعبته فدخل جوفي.. تحول إلى كتلة من الألم والقهر والضعف! وإذا كان الحب لايزال يعرش في أنحائي، فلأنه يليق بي أمام الحقد الصارخ حولي، لأنني حين ألف جسد الانسان.. ألف ضعفه البريء أمام العذاب والقهر.. فبعد كل فظاعاتكم يبدو أنكم لم تتركوا فسحة للحب إلا حيث يقبع الضعف.. عميقاً.. عميقاً في أقبية جبروتكم..



-بتّ لاأفهم لماذا أتعبوا أنفسهم بحجزي، لماذا يشغلون مكاناً في السجن لشخص عالمه هش كعالمي. حتى الذين أبعدت أسماءهم عن أي خطر لم يرحموني، والأنثى التي قبلت الموت على أن يمسها خطر، الأنثى التي لم تترك ديناً إلا وجعلتني إلهه رغماً عني.. تأملتني في غيابي.. فاستهجنت ولماذا يبدو كإله..!! حتى عندما عادت فأرسلت لي رسالة عتب، كانت كمن يريد تصفية الماضي حتى آخر قطرة، لكنني طرت فرحاً برسالتها، فأخيراً سأستعيد شيئاً من جمال الماضي.



-فقط لو أنني صادفت المرأة التي لاحقتني كما لو كنت مصيرها، زمن طفولتي في المدينة، لكانت جعلتني دمية تفعل بها ماتشاء، ولكان ذلك حينها مجداً لن يستدعي إلا سروري. لكن أعوام المدينة شذبت أكثر شهواتي. حتّت نتوءاتي، وأبهتت ألواني الفاقعة، لتجعلني أندغم في حشائشها الرصاصية. كلما حاولت الانفلات من سطوتها، ردتني جندباً يغيب في رماده. بل إنني حين أعلنت انتصاري على رهبتها وأسرارها، إنما كنت أرفع نصب جهل جديد بها.



-الكلمات.. الآهات.. وبضع قطرات من الدمع، كانت كافية لأن تغير من زجاج عيوننا، وأن تسرق من الجنة ألوانها. رمل على رمل استحالت الأشياء حولنا، وكان صوت عقولنا يعلن أن الجنة قبل الحكايات ليست هي بعدها. لم تحتمل الجنة كلمات الأرض فغادرتها.. وغادرتنا، فاجتمعنا نبحث في هذا الذي أصابنا مما ليس لنا فيه يد، نسأل بعضنا البعض عن المصير.

على مشارف التساؤلات، كانت هناك كلمة تتأرجح فوق ألستنا! هز كل منا جناحيه.. وبابتسامة البداية تأهبنا للرحيل، وكنا جميعاً نهتف: نعود..

عودة