-من زاوية في السماء..

أطل وجه يضحك، فابتسمت كل وجوه الناس فوق الأرض..

وهناك في الأعلى.. سمع صوت سباب وصياح.. قالت الملائكة هو وجه ملاك بريء منا.. احتجت الشياطين: هو وجه زعيمنا.. ومن عندهم سكان الأرض، أخذوا يقذفون الحجارة نحو الأعلى ويصيحون: هو وجه نبي منا.. وامتلأ الكون، بصياح وصراخ.. وقعقعة السلاح.. وانطفأ نور الملائكة، وخمدت نار الشياطين، وتهدمت مدن الأرض.. ولكن.. من زاوية في السماء.. ظل وجهٌ يضحك.

-بقي علي أن أخبركم بقية الحكاية : فقد حدث في إحدى الليالي أن مرّ بالبلدة رجل غريب، وقف أمام الباب وطرق طرقتين مهذبتين، ابتعد قليلاً.. ثم اقترب من الباب بكل احترام.. ومرة أخرى طرق طرقتين مهذبتين ووقف ينتظر..

ماحدث بعد هذا كان عادياً تماماً فالباب الذي احتمل آلاف الدفعات والركلات القاسية من الأقدام اللامبالية، أصدر صريراً خفيفاً يشبه الصوت الآتي من اللامكان.. ثم هوى بهدوء.. وكأنه كان طوال عمره المعذب ينتظر شيئاً من اللطف كي يمضي هانئاً مطمئناً.. ومنذ أن مات لم يعد أحد يسمع شكوى أو أنيناً ينبعث من باب مهمل.. بقاؤه واقفاً كل تلك الفترة كان يجعل من كومة الحجارة تلك، شيئاً يشبه الجدار.

-بينما كان رجل وحيد.. يسير حزينا،

شاهد لحظة جميلة تكاد تضيع من يد من يملك الكثير..

فاختطفها قبل أن تموت،

وكمن يخبئ طعنة عن الألم، دسها بين ثيابه وجرى مسرعاً كطفل حاف سرق برتقالة..

في المنزل وبعد أن أغلق الباب والنافذة..

وحتى قبل أن يخلع ماعليه من الخوف

أخرجها من تحت ثيابه بكل عناية وتبتل

تأملها قليلاً وهو يبكي..

ثم عاشها.



-على سورك الغربي كنت أستطيع أن أقف كي أرى الغيوم البيض تسبح بسرعة على صفحة الماء الزرقاء..

أستطيع أن أدير وجهي.. أو أهبط الدرج الحجري

في الشمال.. كانت أشجار الغابة العملاقة تمثل الرقص الهمجي.. لكل البدائيين الذين قفزوا من المخيلة..

وكانت أصابع أيديهم تتجه متسائلة أحياناً..

هل أستطيع ياغابتي أن أراك الآن؟

-نحن لم نرد غير هذه اللحظات.. لم نعش غيرها..

نحن لم نرد غير هذه اللحظات..

شيء ضخم لم يمر على جماجمنا.. لم يحطم زجاج أيامنا..

طيور السماء.. وهي تقذف اللهب

لم تصب أحداً.. ممن نحبهم.. وهذه ليست جثثهم..

عيونهم لم تقطر دماً...

غنينا معاً.. ورقصنا.. وركضنا في الحقول..

حبيبتي... المساء ليس مرعباً

الحب لنا...

الحب... سأضمك... والحياة

عودة