-كان الصنوبر أخضر – كما هو دائماً – وكانت هناء مهرة وكنت مراهقاً جبلياً.. دخلنا الغابة، دخلنا رائحة الصنوبر..أرض بكر تشبه صبية جموح لم تتدرب على القبل بعد، ولذلك كانت الغابة تقسرنا على أن نسلك الطريق الذي تريده، وكنا كالفاتحين..



-قالت : " الدنيا لاتزال سوداء، الكبريت. ينطفئ.. الشمعة تنطفئ.. الشمس لاتنطفئ" فرحت الصبية الصغيرة باكتشافها مرة أخرى، بدأت بنبش دفاترها، ثم شرعت ترسم فوقها شموساً، ثم رسمت شموساً على الحائط فوق المرآة.. وبعدها رسمت شموساً على دفاتر زميلاتها، على اللوح، فوق مقاعد الدراسة.. ودائماً كانت توصي شموسها أن تضيء الدنيا لأنها مازالت سوداء.. تعلمت بعد ذلك أن ترسم شموساً فوق الهواء وتوصيها.. ثم بدأت تحفن الشموس بيديها وترميها من نافذة البيت إلى الشارع.. حملت حفنة من الشموس الحلوة ونثرتها فوق شعر أمها ،



-هناك، في المكان الذي نبت فيه للبحر أسنان - مع أنها أسنان سود ومنخورة فهي تقدر على قضم السفن وأعمار البحارة - هناك تحطمت السفينة تحولت إلى قبيلة أموات تخاصم أبناؤها، هاجر قسم منهم إلى القاع وبقي بعضهم طافياً على وجه الأرض.

وجدت الأمواج التي أقامت مهرجاناً صاخباً، حطام سفينة طافياً وفي غمرة المهرجان كان لديها الوقت الكافي لتفرشي أسنانها بالحطام وتتقاذفه فيما بينها.



-أيتها الغبية كم قلت لك أن الدم المسفوح في السماء عند المغيب، هو الشمس التي يذبحها كل يوم ماتشاهده فوق الأرض وان احمرار باحة السماء الشرقية كل يوم هو دم ولادة غبية يومية من رحم آلام الأمس" زعلت الغيمة من البحر الذي وقال لنفسه أنه لايحب الدم الذي تنشره الشمس على جسده في الصباحات والمساءات وأنه يستحم كثيراً لكي يغسله عن وجهه.



-لم تكن ريح تلك الليلة مثل ميادة تماماً. كانت ريحاً باردة تحمل على صدرها ثلجاً وصفيراً وعتمة. وميادة لاتشبه البرد والصفير والعتمة في شيء.

طغيان تلك الريح وصوتها يختلفان كثيراً عن طغيان ميادة الحلو إلى حد أن القلب يصاب بالصرع ويرفرف تائهاً ومتعباً مثل العصفور الذي كان يطير في تلك الليلة.

عودة