-في مدينة بائسة.. حزينة الليل.. شاحبة الطرقات والأزقة

من مدن هذا الزمان.. ولد قلمي.. مسجوناً.. مفطوماً عن ثديه

أنا غريب.. حتى في بيتي.. وحروفي.. تكبر معي وتستجدي..

ولاأحد يسمع صرختي الصامتة.. غريب أنا مع أني.. أعرف أين بيتي.. ودكان الحارة.. كانت جميلة جداً.. خضراء العيون.. ذهبية ضفائرها.. مدينتي.. واليوم.. النهر يمشي فيها تائهاً .. حزيناً..

-أنا الأديب الكبير.. المنفي عن مدينته.. لسنوات حزينة.. رضيت بغربتي.. ورحيلي.. حتى لاأرضى لكلماتي أن تكون عبيدة منابرهم وعلى ألسنة سادة لايعرفون معانيها ويقدرونها.. رضيت بغربتي حتى يبقى قلمي حرّأً يكتب من أجل الناس.. ووجع الناس وأحلام الناس لامن أجل دعاية انتخابية لسلطة ظالمة.. فلم يرتاحوا لي وطعنوا بانتمائي وديني وأبعدوني لاجئاً.. عاقاً.. أنا الأديب الكبير المنفي عن مدينته لسنوات حزينة.. طويلة أعود إليها وقد اشتقت لبساتينها.. لنهرها الجاري في وسطها حزيناً شارداً كهلاً.. أعود لمدينتي.. لمسرحها المتهدم لأجد نفسي غريباً منفياً من جديد.

-المكان شاحب حزين.. ولكن فيه شيء غريب.. فيه حنية أمي تجري في عروقي ودفء صدرها.. لم حدث كل هذا؟

من أجل كرسي..؟

تهدم تاريخ.. واحجبت شمس.. تباً لكل طغاة الأرض.. وإن كان أبي منهم

-هاأنا أعيش من جديد.. وصوت المطر أنغام الحياة.. والنهر يجري للحياة..

هاأنا أكتب من جديد.. أكاد أسمع صوت الناس وهم يبنون المدينة من جديد ويقرؤون كلماتي..

من قال إني غريب؟

من قال إني أسير وكلماتي مقيدة.. حتى وأنا في سجني؟؟

عودة