الصورة غير متوفرة

ـ وعبقت رائحة أنوثتها في داخله. خرج الباص إلى الأوتستراد. أصر على تجاهلها، ومارس على مشاعره الداخلية حالة من القمع.

"أنت يا جبلاوي تمارس هذا الاشتهاء؟!".

كان دائم الابتعاد عن مثل هذه العلاقات التي تنمو مصادفة كبذور نباتات برية، هو لا يرتاح إلى تلك العلاقات السرية التي كان يسمعها من زملائه.. يرى فيها نوعاً من اللصوصية. لم يكن بإمكانه أن يغيّر من سلوكه في مدينة تعرفه كلها. اتخذ قراراً بقطع كل رغبة كانت تنمو فيه



ـ"اغتسل بشحيح المطر، والميناء حزين

كل أشجار الحور والصفصاف تعرت..

ظلت أعوادها في مواجهة البرد تنتظر الربيع..

إنها مثلي تعيش الانتظار المشوّق.

في مواجهة الميناء والريح شتوية أنتظر أن يبتسم الزهر.

البارحة تساقط الندى من شرفة الضوء.

وتسلقت الشمس قمة الجبل

طائر الحسون تقافز عند الشرفة.

اقترب بأجنحته الملونة

.. هو الآخر كان يغني حبيبته التي لم تأتِ".



ـ كان لا يريد أن يعلن استسلامه، ولكنه أحب بألا يفجر موقفاً لا مبرر له على الأقل في هذا الوقت الذي يرى أنه يفقد فيه التواصل الممتع مع شادن…

لم تعد تزرعه كعادتها بحنانها ومشاعرها.. وكثيراً ماكان ينسجم معها في تمثيل دور الابن المطيع الذي يرغب بمزيد من الحنان الذي يتصاعد في أوقات متباعدة ليأخذا اتجاهاً آخر.. فتنسى أمومتها.. وتستيقظ فيها مشاعر الزوجة الدافئة.. ويصير لها دفء مختلف، وطعم مختلف، ورائحة أنثى تتدفق عشقاً.. فتستسلم له بعمق، فتداعب حواسه كلها.. وتلهب مشاعره بكلمات راعشة بالاشتهاء..

- كانت فردوس تمشط مشاعره الداخلية بحنان حقيقي دون أن تقول شيئاً. عيناها كانت تتدفق فيه ببريق خاص. هذه المرأة يحب فيها هدوء نظراتها، وحواراتها عندما تتحدث بمسائل الفكر والتاريخ.. هي لا تثير فيه شهية الاشتياق إلى أنوثة امرأة.. يراها قريبة من روحه. كثيراً ما ينتابه إحساس الرغبة بالجلوس إليها طويلاً، هو يخشى ما سيقوله الناس. مرة صارحها بذلك.. أخبرته أنها تمتلك الإحساس نفسه. رغم أن شادن تحترمها وترى في حالتها قصة محزنة، ومع ذلك فهي من الداخل لا تميل إليها.. هي لم تصرّح بالسبب كعادتها تجاه الأشياء. ولكنه كان مقتنعاً بأن السبب يعود إلى كونها امرأة مؤهلة لعشقه.

ـ والمدينة كلها لم تعد تعجبه.. هي تضيع في زحمة الحياة، والأخطار.. كل شيء يتجه نحو بوابة الخروج من تقاليد المدينة التي يعرفها. صرخ بأعلى صوته وبشكل لا إرادي. يا حاج محمد الجبلاوي. اكتشف أنه يصرخ في فراغ.

"قرأ تعويذة" الحاج محمد الجبلاوي التي كان يقرؤها ساعة تضجره.

وقرأ سورة الفلق بعدها.. تتناهبه رغبة ذكورية إلى امرأة رسم صورتها في رأسه دائماً. هي تشبه "أليسار" أميرة الساحل ابنة "مقّان" الأول ملك صور.

هذه المرأة التي تأتيه من التاريخ دائماً تدهشه. يتخيلها تجلس على كرسي الحكم إلى جانب أخيها بيجماليون. وحدها "أليسار" بذكائها وأنوثتها وجمالها تستطيع أن تغمض بهدوء شديد هذه الرغبة المتيقظة فيه.

عودة