- يومئذ أسرع حمزة إلى أخيه بالنبأ العظيم، ثم خرس مثلما خرس يوم جاء بنبأ سامح الردان. لكن دريد متيقن في هذا الصباح من أن خرس حمزة ابتدأ ذات صباح بعيد ، صباح منسي، صباح قطع المطر الذي تواصل طوال الليل، صباح فجر قنابل وأطلق رصاصاً وارتج الباب على حمزة الذي كان يتأهب للخروج، وانتزع رابية من سريرها كما ستروي مثل شاهد عيان.



- وتلونت غرة دلعون بألوان المساء فازداد دريد خبلاً: من فسحة تركتها الغيوم تأتي هذه الزرقة، من الأفق المدموم تأتي هذه الحمرة، من ظلال المصطبة يتناهى سواد باهت مثل البياض الباهت الذي يتناهى من الغيوم. لكن الغيوم لاتلبث أن تتشقق وتتعكر وتتبقع مثل غرة دلعون. وحين أيقن دريد أنه لن يتبين للغرة لوناً، كانت السماء قد أخذت ترمي المصطبة بالبرد، فالتصق بالجدار قرب النافذة.



- "دريد" فعلاً صيصاني لامسلم ولانصراني. من الماركسية ماله إلا القشور. من الاسلام أو من القومية ماله إلا القشور.

وهذا كان رأي بعض أصدقائنا المشتركين فيه وبالخصوص "سامح الردان".

حقيقة الأمر أن سامح هو أول من لفت نظري إلى هذه الصفات في دريد فوافقته فوراً.

لكن سامح لم يوافقني على أن دريد متناقض. تراه أحياناً رجل قشور وأحياناً تراه عميقاً، وهذا مايظهر في كتاباته. كم قلت له يادريد أنت ذكي ومثقف وتعمل ليل نهار، على مهلك ياأخي. لو تتأنى يادريد. لو تزيد عيار الجد في حياتك وفي كتابتك، ولكن دريد اللورقي هو دريد اللورقي، يسمع كلامك عنه فتظن أنه موافق على ماتقول ثم يضحك،



- أنتِ أول من خطر في بالي عندما ناداني الشرطي ملوحاً بالجواز. قلت : كله منك يادلعون.

حرنت أمام الباب فدفعني بظهري دفعة جعلتني أترنح. حاولت أن أتفادى السقوط لكني سقطت. سقطت وانقذفت عالياً من الخجل أو الخوف. أحسست أن سيخاً من النار اخترق ظهري. أسفل ظهري. خطوت خطوة واحدة نحو الباب ولم أستطع أن أخطو الخطوة الثانية. اخترق السيخ فخذي الأيمن من أوله إلى آخره. سألت الشرطي بدلاً من أن أئن : كم الساعة.



- رأيتكِ أنت أولاً رأيتك تشعين عارية. رأيتك وحيدة وراسخة. لم يكلفني الوصول إليك إلا رفة جفن. رأيتك تمررين كفيك على عريك وهو يختفي تحت غلالة هفهافة. ناشدت الغلالة أن تغمرني لكنها راحت تتوحد بالسماء ولم أعد أراك. تركتني مشلعاً فتهاويت فوق الجبل وذؤابات الغابة والقصر، وظللت أتهاوى حتى ارتميت على السرير الذي نقلته ليانة من غرفتي إلى الصالون.

عودة