- لم يكن طريح الفراش بالنسبة لهم سوى غيمة عبرت رؤوسهم أو رسم يبدؤون بتسجيله منذ لحظة الولادة، ولايكفون عن العبث به إلا بشهادة الوفاة.

انزويت أنا المفعمة بالحياة والموت، باليأس والأمل والبكاء حتى تخوم التعب،لاالعلم ولاالحب ولاالقانون ردوا له حياته التي كان مستعداً أن يقاضيها بكلمة رقيقة أو بنظرة حب فقدتها ذاكرة العيون

لجأت إلى وعاء فخار، ملأته بخوراً، أشعلته، ركعت أمامه، ونذرت النذور لأصحاب الكرامات والأولياء، تهجدت كثيراً متجاهلة نظرة العتب في الوجوه النورانية التي بحثت عن مكان لها في ذاكرتي فلم تجد سوى أطلال بقيت منذ زمن الطفولة.

-البخور يشتعل، وتهاويم الفتيات اللواتي كن ينذرن للفرات منذ القديم وعصر حجري يولد في آلة جديدة تضج بأصوات مغنين ومغنيات تسترهم أوراق التوت كما رجال الكهوف، وإعلانات عن مسابقات لوظائف تنتظر أرتال المتقدمين المدججين بالليرات البراقة إما لملء جيوب ضاقت بما فيها، أو لتقديمها نذوراً لأصحاب الكرامات وقارئي الفنجان والبخت والأبراج.

-لم تكن قادرة. رغم كل المحاذير واللاءات، إلا أن ترفع راية حبه وتستسلم لبوح الكلمة.

كثيراً ماكان يغيب بأمر من المجتمع ورجاء من عينيها فيحضر –دون أن تدري- في شهيقها وزفيرها، تتنفسه فيحس بكثافة حضوره كل الذين يعتبرونه آخر.

كم حنت لذلك الزمن البدائي الذي لم يحدد يوماً أبعاد القلوب، ولم يقطع أطرافها ويهندسها لتغدو ملائمة للهويات والأديان، فإذا بجدار الحضارة الاسمنتي ينبثق أمامها مفرغاً كل مافي جوفه من قيء التراكمات والأحقاد مظهراً وجهه البائس القذر.

-أخيراً اكتشفتُ أن العيب ليس في علوّ صوتي وإنما الصمت يجعل كل همس يبدو هديراً، والغرابة ليست في تكبري، لكن الانحناء الدائم يجعل الناظر يرى الغرسة الصغيرة شجرة باسقة.

ماأسوأ الليالي التي تمر متشابهة سوداء لاتنبئ بشيء، ولاتفصح عن خبر.

-حين مات المسؤول الكبير في حادث سيارة وجدوا في أحد جيوبه خريطة لبلاده، فنُشر الخبر على صفحات الجرائد، وفي الفضائيات، وذكره الخطباء في الاحتفال التأبيني الذي أقيم له، كما نصب له تمثال نصفي على باب الوزارة التي كان يعمل فيها كأحد الوطنيين الذين ماتوا وهم يضمون الوطن إلى صدورهم.

على الحدود كان المهربون يدخلون الأسلحة والمخدرات حسب الخريطة المرسومة لهم.

عودة