- يتلمس بطرف سبابته وجنتي ملاكه المحتقنتين، وجبينه المتعرق لشدة انهماكه في سحب الحنية والحليب من ينبوعهما الثاني، ثم يغمض عينيه ويشمني كمدمن مخدرات عتيق، ويشم قدمي الطفل المتعرقتين بدورهما، قبل أن يمسح ذنبه ببركة إلهية أو مرهم للغفران، أو كمثل شاعر صوفي يتدثر بطرف دثار قرمزي حريري شفيف، مستلق باسترخاء فوق سرير عريض، يستفيض كنبع فوار.



- وقد تمخض ميلي المبكر إلى العزلة عن خلق رسام، يقف الآن أمام منصة الرسم ويخط خطوطاً زرقاء أولية لبحر في الذاكرة، تتفتح فجأة نوافذ الحنين واحدة تلو الأخرى، وتطل منها ذكريات عمر طويل مضى، كما تطل صبية حسناء جميلة وتترك شعرها الطويل يلهو مع الهواء النقي عبر النافذة المشرعة على الروح.



- أسجل مارأيت قبل أن تمحوه الذاكرة المرهقة، ثم أتأمل الأوراق التي دونت عليها مرارتي بمرارة أشد، لأنني كنت عاجزاً دوماً على أن أحتفظ بمثل هذه الأوراق، أو أن أخفيها، أو أن أوزعها بين شعب ميؤوس منه. فأكتفي مثل كل مرة بتمزيقها نتفاً، أبتلع بعضها كالسم، وأحرق بعضها، وأعجن مايتبقى منها مع الطين الذي أصنع منه بعض أطباق الفخار الخاصة بي غير المخصصة للبيع، يحدوني أمل عظيم وأنا أفعل، أن تتحول هذه الفخاريات إلى لقى أثرية بعد آلاف السنين من موتي، وتصل إلى يد أحفادي، فيكتشفون أسرارها المخفية داخل الطين العتيق بمساعدة أجهزة متطورة جداً لاشك أنهم سيخترعونها مستقبلاً، ويستفيدون من عبر ماجاء فيها، ليمنعوا أي فرعون جديد أن يمتطيهم.



- بعد أن عشقت الأوراق النقدية، وصرت أفتش عنها في الخزائن وبيوت مال المسلمين والمسيحين وكل الطوائف التي تصل إلى حقائبها يدي الطويلة. لايردعني رادع ولاضمير، والجشع وحده، لاالقناعة، كنزي الذي لايفنى إلى أبد الآبدين. ثم توقفت وقررت لشدة عشقي لهذه الأوراق، أن أخلصها من سمعتها الملتصقة بها كوسخ دائم للدنيا، وامتهنت مهنة غسل ماضيها من قاذوراتها الملتصقة بها، مستعملاً كافة أنواع الغسالات والأحواض والمنظفات القادرة على محو، بل سحق كل تاريخ مشين لها، وتحويلها بمهارة ساحر، إلى أموال براقة تشتري كل جديد ونظيف، متمتعاً بفضائلها بلا حدود،



-خلال الجلسة فاجأت سمية السيدة ام ابراهيم التي تجلس بجانبها بسؤالها عن اسمها. نظرت أم ابراهيم إلى سمية طويلاً تفكر بالسؤال بحيرة وتحاول جاهدة تذكر اسمها القديم واسم زوجها أبوابراهيم. النساء الأخريات نظرن بدورهن إلى سمية، وكأنهن أصبن بفقدان ذاكرة جماعي، كل واحدة منهن تحدق في الفراغ وتحاول أن تتذكر بصعوبة، دون أن تنجح أي منهن بتذكر اسمها العتيق رغم أن نظرة خاطفة إلى بطاقاتهن الشخصية المختبئة في الجيب الصغير لحقائبهن الجلدية المزدحمة بقلم أحمر الشفاه وزجاجة العطر ومفاتيح المنزل وصور الأولاد والأحفاد، كان كافياً للجواب عن سؤال سمية غير المتوقع.

عودة