الصورة غير متوفرة

ـ لا تصدقوا كلام الشعراء..‏

لا تقولوا أن هذه الدماء التي تروي التراب ستورق أشجار الزيتون.. مات الزيتون في أرضنا منذ سنين طويلة.. وأصبح البرتقال - هل جاءكم حديث البيارات - مجرد كتل دائرية في الصناديق المصدرة إلى الغرب، موشومة بشارة العدو بالنجمة السداسية..‏

كان ذلك يوم العبور.. ولكن في المسار المعاكس.. من الغرب إلى الشرق.. كنت آخر فرسان القافلة التي عبرت.. عدت مقهوراً أقضم الشعارات و أعد جنازات الشهداء في المخيمات المقصوفة، والبيوت المنسوفة. والأراضي المحروقة .‏



ـ لا شك في أن الدنيا قد تبدلت حتى في هذه الأماكن، فالغرفة التي اقتادوني إليها فسيحة، عالية الجدران، جيدة الإضاءة وليست زنزانة ضيقة، كما نقرأ في الروايات وفي قصص بعض الكتاب المتطرفين.. حتى الحارس، ليس ضخماً، ولا طويلاً، ولا حاد النظرات، صحيح انه يبدو متيناً وكأنه قد صب من الرصاص لكنه ليس شرساً، لم يحدجني بنظرة، ولم يصفعني، ولم يركلني.. ولم يقل لي " يا إبن ال... ".. حتى عندما قدم لي الشاي وضع الصينية أمامي بهدوء..

ها أنذا أعزّي نفسي بشكل الحارس، وطريقته في تقديم الشاي ولكن السكين ما تزال في الخاصرة.. أجل.. سكيّن.. ضربة غدر من يد مجهولة جعلتهم يستدعوني ويضعوني في هذه الغرفة منذ ثلاث ساعات دون أن يستجوبني مستنطق أو يجيب أحد عن سؤالي التقليدي: لماذا أنا هنا؟.



ـ يتنزىّ الشبق من شدقيها حتى أطراف زغب الإبطين.. يتقرى طموحها المسالك المتاحة على تضاريس الجسد، فتدفع بالمحظور المتوارث على مدى دبيب السنين، إلى الزوايا المعتمة، وحتى حدود التطامن و الإستلقاء.. تقتلع اوتاد خيمة السلف الأكبر وتقفز فوق شاربي أبي ليلى المهلهل بعد أن نفضت ساقها العبلاء من ركاب حصانه الأشهب إلى المقعد الوثير في الـ كابريس الفارهة، فتغدو أحلامها - هكذا خيّل إليها في البداية - سطوراً أنيقة، ومتوازية، ومتلاحقة، تنزلق بسهولة على شاشة حاسوب من الجيل الخامس، لا يستهلك إلا جهد اللمسة الساحرة..

من قال انها لا يمكن أن تكون إمبراطورة الخراب العربي؟.



ـ عندما وقفت في شرفة برج إيفيل لم يكن قد مضى عليها منذ أن خلفت وراءها مطار دمشق سوى شهر واحد.. ولهذا ضاع حنينها إلى العنزة والقرية والسهرة مع القمر على السطح في غمرة لهفتها على استقراء مظاهر ودقائق الحياة الجديدة التي انداحت في دوامتها، ولولا خاطر عابر في ذهنها وهي تزور كاتدرائية نوتردام في الصباح راسماً صورة أزمير الدا وعنزتها التي قرأت عنها في رواية احدب نوترام لما بدت أمامها صورة عنزتها في باريس..

اما هنا، في الامبايرستيت، فإن أصابع يدها الممسكة بالكأس، هي التي تحدثت.. حدثتها عن نفسها يوم كانت الأصابع السمر القاسية، المصبوغة بالحناء، تمسك بضرع العنزة وتحلبه بخبرة ونشاط

عودة