- نجح المستطيل في الانتخابات، تقاطرت الوفود المهنئة إلى داره. أصبح الحلم حقيقة: صار يخطب، يخطب، يخطب. كلما جاء عشرة، عشرون، خطب الخطبة ذاتها.. تحت قبة البرلمان.. مسكين قلب الكافر يبكي عليه، ياالله ماأشد ماهو عيد.

ولكن لعنة الاستطالة تحمل بذور فنائها فيها : تحت الواجهة الديمقراطيةالتي نصبتها البلاد لم يتغير شيء. الجاروف وحده هو الذي غاب، وأما الأجهزة التي كانت تجلد الناس لتخرجهم من قضاياهم فقد بقيت: تحت الواجهة

- وددت لما وصلت إلى هذه الكلمة الأخيرة أن أنهي حكايتي هنا ولاأزيد. ولكن المرارة التي كانت في صوت محدثي، الظلمة التي لفعت وجهه، بعض المعاني التي زلقها وتخبئ أن تقول: أتتوسط لي بعد أن تخرج من الحبس؟! ... وكل أولئك مايزال يلاحقني. وقد رأيت طوال حياتي الملأى، من فجاءات النزوات البشرية وغرائبها مايخط الرأس شيباً. ولكني لاأقضي العجب – ماأزال – من هذه الظاهرة: لماذا كان القط، فوراً بعد أن تفطمه أمه، يتجنب مايضره من المآكل غريزياً ونحن البشر المساكين لسنا مسلحين بمثل هذه الغرائز النيرة، لماذا؟

- لماذا أراك خجلاً من أنك لم تهتد إلى فتحة صندوق الرسائل؟ أنت في الأقل تحتال على أميتك ببعض إلمام بالتكنولوجيا الحديثة إذ ترسل رسائل إلى السيدة زوجك في كاسيتات، وتقود سيارة فيها أكثر من عشرين ساعة لرصد حركة البترول والحرارة وانفتاح الباب ونسيان السائق وضع حزام الأمان. وأما أنا فلا أحسن تشغيل المسجلة التي عند ابني، وضعيف حتى في قيادة الدراجة الهوائية..

- هل العشاق كثير؟ إنهم ليسوا كثيراً وحسب، ولكنهم كل أحد، كل أهل الشركة. من رئيس مجلس الادارة إلى المدير العام، إلى الضارب على الآلة، زميلي في الغرفة إلى الفرّاش الهندي. كلهم عشاق معاميد ومافيهم أحد متزوجاً كان أو أعزب إلا خطبني همساً معرباً عن استعداده للجهر في حال موافقتي...



- كان زميلي ومتقدمي في "النفوس" العم -أبو محمد السيد محمد- أكبر برهان على أن الشعب، أي شعب، لاتقدر أي قوة في الدنيا، غير عزرائيل عليه السلام، أن توفق إلى لاتسيّسه، إلى شلعه من الشروش الضاربة أطنابها في روحه وكيانه حتى قرن الثور.

كان العم أبو محمد صادقاً، يصور الواقع كأنه كاميرا، أقصد من ناحية عصيانه على اللاتسيس، مثلما قال، كل صباح مع فنجان القهوة، يبدأ قراءة الجريدة من وراء نظارتيه العصمليتين، ولايتخير منها إلا السياسي المثير.

عودة