الصورة غير متوفرة

ـ "برأيك من المسؤول عن الحب؟"

"أظنه. القلب هو المسؤول"

"أليس الصوت؟ هو المجرم لأن يثير الزوابع والبراكين. يهدم جبلاً ويرفع آخر. يعلق حدائق ويحرق غابات...؟"

ربما.. هي لاتستطيع أن تتخيله دون صوته، مرة استبد بها الحنين فذهبت إلى قريته. راحت تبحث عنه. لم تجده. هي تدرك بأنها لم تجده، وتعرف بأنه وراء البحار يشرب القهوة الآن، أو يمشي في شوارع مكتظة بالورد. لكنّها كانت تبحث عن خطواته على الطرقات. عن وجهه على النوافذ. عن عينيه في عيون أهل القرية. شعرت أنها تسمع صوته. يناديها، كادت تتهاوى فاستندت إلى أول شجرة سنديان وراحت تتلمسها بأناملها.. "هذه الشجرة تلمسها حبيبي وربما صعد إلى أعاليها كي يشدّ البحر إليه".

-كان الرجل يقتنص جدتي وأنا كنت أحاول الهروب. أبتعد، فيقترب القبر مني. يمدّ ذراعيه. يناديني هشام الذي أحبني، لكني أرفض، ماأزال لاأحبك ياهشام،

"دورك الآن. هيا، انزلي إلى القبر"

تأملت القرية النائية. الأشجار. ماء النهر الذي لايهدأ. ثم نزلت القبر دون حزن. دون اعتراض. أغمضت عيني وأنا أتمدد، أستلقي، أرخي يدي، أشعر ببرودة التراب. ناديت: جدتي، أغلقي عليّ القبر أرجوك. لم ترد، ناداني هشام. مدّ يده كي يخرجني. رفضت. تركني ومضى وأنا رحت أنتظر جدتي لكي تغطيني، أو تأخذ مكاني.

-"لكن. احذر، لن تراني إذا غبتَ عنّي وتركتني وحدي. سأصير سمكة. ستبحث عني، تناديني، تبكي. لا.. لن تجدني. وقد أتحول إلى -بلطية بنيّة-".

"وأنا أصير الصياد. أين ستهربين منّي؟ لكن اسمعي: ممنوع السباحة. أخاف أن تراك الغيوم. ترسل حبالها وتسرقك كي ترشو إله المطر. أنت تعلمين: المال والنساء أغلى الرشاوى، وهما قادران على حلّ أي مشكلة. ممنوع أن يراك حراس المطر. ممنوع أن. وأن"

ظلّ يعدد الممنوعات حتى تضرّج وجهه وجحظت عيناه وتهدّج صوته. شعرت بالخوف. كأنه ليس مروان الذي أحبّه. كأنه يحزّ عنقي بسكين.

-غمرت رأسها في صدره وقالت: "ماذا لو لم ترتدِ أنت الأخضر" وأنا لم أرتدِ فستان الشيفون الأسود. أو أنني ماجئت المدينة لحضور حفلةٍ. ماذا لو أن الباب لم ينفتح؟ كنت ستظلّ صديق صديقي لا أكثر”

طوقها بذراعيه. شعرت رائحته تتغلغل إلى مسام روحها.. تأملته. إنه ليس الذي رأته أول مرّة. إنه الذي تراه بقلبها. وهو لايشبه أباها ولا أخاها ولا... إنه يشبه كل الذين تحبهم. نظرت إلى عينيه "ماذا لو أن الباب لم ينفتح؟

مرر أنامله في شعرها الأسود. همس. "مع ذلك كنّا التقينا"

-قد أعود إلى غرفتي ليلاً.

بعد أن أمشط المدينة بوجوه الأصدقاء.

وبعد أن أهرق كل مجاملاتهم وخططهم على العتبة. ثم أنفض عن معطفي الشتوي قصائدهم الوردية. وأخلع حذائي المعفّر بعتمة لا مبرر لها.

عندما أشعل النور تتمدد جدران الغرفة، فتستقبلني الطاولة المستديرة. ترفع رأسها الزهور المرشوشة على الغطاء والكؤوس الواقفة تمتد أكثر إلى السقف.. يبتهج البرد في غرفتي ويتدلى الصقيع على زجاج النافذة

عودة