تحكي هذه المسرحية حكاية دمشقية بطلاها رجلان ينتميان إلى القرن التاسع عشر. أولهما أبو خليل القباني، الشيخ التقي الذي فتح الأعين في الشام على فنٍ جديد لم يألفه أحد من قبل ألا وهو فن المسرح في زمنٍ كان فيه الناس اعتادوا مشاهدة الكركوزاتية والاستماع إلى الحكواتية في المقاهي المنتشرة بوفرة في تلك الفترة.

وثانيهما مدحت باشا، الوالي العثماني الذي اقترن اسمه بالإصلاح فكان هو والإصلاح صنوين لا ينفصلان.

ولقد شاءت الظروف أن يلتقي الرجلان: رجل المسرح والفن، ورجل السياسة والإصلاح لتعيش ولاية سورية مجموعة من التحولات السياسية والاجتماعية خلال الفترة الممتدة من عام 1878- 1880م وهي الفترة التي شهدت تأسيس الجمعيات ونشر التعليم وفتح المدارس وشق الطرق وتطوير الاقتصاد ونشر الروح الدستورية وتأصيل الحركة القومية وهذا مما أدى بالتالي إلى أن يشيع جو من الإبداع الحر في ميدان الصحافة والأدب والفن والمسرح على وجه الخصوص.

ولكن ماذا لو لم يلتق الرجلان؟

إن طرح سؤال كهذا يجعلنا ندرك حقيقة كم كان كل منهما في حاجةٍ إلى الآخر وأن فرضية عدم لقائهما ربما تفقدهما المعنى الأعمق الذي اكتمل بهذا اللقاء في مدينةٍ كانت تفتح عينيها على بواكير النهضة العربية الحديثة.

في هذه المسرحية، نرى مدحت باشا، وهو يخوض غمار آخر معاركه السياسية على الأرض السورية التي عين والياً عليها والتي سيغادرها لاحقاً بعد أن بالغ أعداؤه في الوشاية به والتأليب عليه لمجرد أن الإصلاح الذي انتهجه وكان ديدنه لم يوافق هواهم، ونرى أبا خليل القباني وهو يواجه خصومه الذين طعنوا في دينه فكفّروه وانتقصوا من كرامته فدفعوه إلى أن يقصد مصر تاركاً الشام خلفه تعيش اضطراب الأسئلة بين الحلال والحرام، والكفر والإيمان والضلالة والتقوى.

هل الفن حرام؟ هل المسرح بدعة ؟ هل التمثيل شرك ؟ هل الفن كفر؟

إن الأسئلة التي رشقت ذات يوم في وجه الشيخ أبي خليل القباني مازالت تثور حتى الآن وكأن قرناً بأكمله لم يكن كافياً لصياغة الأجوبة. إننا نعيش زمناً يغلي بالاضطرابات السياسية والتحولات الاجتماعية وتعلو فيه أصوات التكفير والتشكيك والتهديد والوعيد باسم الدين دفاعاً عن الإسلام وذوداً عن المسلمين، في منطقةٍ يعاد ترتيبها وفقاً لمعايير دولية جديدة كما حدث تماماً إبان النهضة العربية الحديثة التي كبت قبل أن يكتمل نهوضها، والتي كان أبو خليل أحد رموزها.

من هنا فإن أبي خليل القباني لا ينتمي لعصره قدر انتمائه إلى عصرنا، ونحن إذ نراه يقف وحيداً في مواجهة التحديات والصعوبات التي عصفت بمسيرته الفنية في دمشق والتي اضطرته أخيراً إلى مغادرتها نحو مصر إنما نرى فيه صورة حية لما يجري الآن ولما يتعرض له الكثير من المثقفين ورجال الفكر الحر والفن النظيف من هجماتٍ شرسة واتهاماتٍ باطلة أقل قليلها التكفير ....

دلع الرحبي



عودة