عشقه للمفردة وتماسه المباشر مع عالم الأدب جعلاه يطوّر ما في ذاته ويخلق نمطاً خاصاً به يميزه عن باقي الشعراء، متدرجاً بذلك من مرحلته الجامعية لحين طباعة ديوانه الثاني، ونسجه مئات القصائد.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت الشاعر "محمد حجازي" بتاريخ 23 حزيران 2020 وكانت البداية عن دخوله عالم الشعر والأدب حيث قال: «العمل الإنساني، أو دراسته الأكاديمية قد توجه اهتماماته بالاتجاه الذي سيكون عليه في المستقبل، فمن خلال دراستي للغة العربية ومطالعتي للكتب الشعرية والأدبية المختلفة قربت هذه الروح من هذا الاتجاه، إضافة إلى عملي اللاحق سواء في مكتب الثقافة أو في مديرية الثقافة أو عملي الحالي كمدير لدار "الكتب الوطنية"، وصَقَل هذه المسألة وهذا الاهتمام.

يتطور الإنسان بشكل تلقائي سواءً مع تطور العمر أو تطور الخبرات، وبمعنى آخر أخجل من الكتابات التي كنت أكتبها في المراحل الأولى؛ أو حتى في ديواني الأول، فكم أتمنى الآن لو لم يكن هذا الديوان، لكن لا بدّ دائماً من الخطوة الأولى

في البدايات كنت أكتب كتابات بسيطة في المرحلة الثانوية، وفي المرحلة الجامعية بدأت تنصقل هذه الموهبة وأتبادل مع بعض الأصدقاء الأفكار، نلقي قصائدنا بين بعضنا البعض، وكان لدي دفتر أسجل فيه هذه الخواطر الشعرية، وبعد انتهاء المرحلة الجامعية واقترابي من المجال الثقافي بَدَأتْ تتوضح بذرة صغيرة من خلال اهتمامي بالأدب بما يخص محبتي للشعر والأدب، وبدأتُ أقترب من هذا الجو إلى أن جعلني عملي الوظيفي على تماس مباشر مع الحالة الثقافية، ومن خلال اختلاطي مع الأدباء والنقاد رحت أميل إلى تحسين الكتابات التي كنت أتناولها في السابق، وأحاول أن أجد لنفسي موطئ قدم في هذه الساحة، ويكون لي صبغة خاصة وروح ضمن هذا المجال الأدبي، وربما نجحت بعض النجاح، والتمست ذلك من بعض الأصدقاء الذين يشيرون إلى أنهم مجرد أن يطلعوا على نص لي يقولون هذا لـ"محمد حجازي" دون أن يلتفتوا إلى الاسم».

من حفل توقيع كتابه خن فيخون

وعن الفرق بين بداياته وما وصل إليه اليوم يقول: «يتطور الإنسان بشكل تلقائي سواءً مع تطور العمر أو تطور الخبرات، وبمعنى آخر أخجل من الكتابات التي كنت أكتبها في المراحل الأولى؛ أو حتى في ديواني الأول، فكم أتمنى الآن لو لم يكن هذا الديوان، لكن لا بدّ دائماً من الخطوة الأولى».

أما تجربة الطباعة والنشر، فقد قال عنهما: «طبعت ديواني شعر بموافقة اتحاد الكتاب العرب، الأول حمل عنوان "وجعان القلب"، وأُقيمَ حفل توقيعه عام 2017 في دار "الكتب الوطنية" بحضور مدير ثقافة "حلب"، وعدد كبير جداً من أفراد المجتمع والثقافة والأصدقاء، حاولت فيه أن أوثق مشاهد الآلام التي عاناها الناس في إحدى الفترات العصيبة التي مرت على مدينة "حلب"، والكتاب الثاني حمل اسم "خن فيخون"، وطُبِع عام 2019، وأقيم حفل توقيعه في المركز الثقافي العربي في "العزيزية" بحضور عدد كبير من الأصدقاء والمهتمين بالأدب، وهذا الديوان بدأ يتخلص من تلك المعطيات الأليمة وينطلق إلى أقانيم جميلة تتحدث عن الوجودية والمرأة، أما عنوانُه فقد حَمَلَ رسالة خاصة تختلف قليلاً عن مضمون الكتاب، وقد اخترته لأن له في الذاكرة الجمعية شيء في القرآن الكريم من جملة "كن فيكون"، فأنا جعلت هذا التناص على "خن فيخون" ليكون قريباً من أذهان الناس ويجذب الانتباه».

غلاف كتابه الأول

وعن تجربته مع الشعر العمودي يقول: «كتبت القصيدة العمودية؛ لكنني شعرت أنها ليست لي، وكتبت عدة قصائد من شعر التفعيلة، وكانت تجربة جميلة لكن شعرت أن القيود ما زالت موجودة، فتوجهتُ إلى الشعر الحر أو الشعر النثري لأنهُ هُوَ الذي يطلق الدفقات الشعورية بشكل كامل دون أي قيد أو شرط».

ويضيف: «ليس من المعقول أن أجلب مفردة تحتاج إلى معجم، فنحنُ لدينا نظرية تلامس الحواس، ولدينا نظريات عديدة من خلال المجاز اللغوي والقفز فوق اللغة، ولدينا مفردات عندما تجتمع تقدح فكرة شعرية جديدة، ولسنا مضطرين للمفردات القديمة التي ماتت، فاللغة العربية لغة حية ومتجددة، وليس من الضروري أن نحيي كلمات جزلة، وأنا أرى الآن أَنَّ الشعر بدأ يتجه إلى غايته الأساسية التي حسب ما أراها هي الجمال والامتاع».

يفضل "حجازي" دائماً الشعر الحديث، حيث قال عن ذلك: «أميل إلى شعر الحداثة، أو الشعر النثري إن صحت التسمية، لأنه يفتح المجال واسعاً أمام الشاعر ليعبر بطريقة حرة وجميلة دون أن يكون هنالك قيد سواء في القافية، أو في الروي، أو في التفعيلة بحد ذاتها إن ذهبنا إلى شعر التفعيلة، فشعر الحداثة هو شعر حر مطلق لا تجد نفسك أمام أي قيد فتطلق الدفقات الشعورية بشكل مريح، وكذلك الكلمة والصورة والقراءات».

من إحدى قصائد الشاعر "حجازي" نقتطف:

«في ذكرى وفاتي الأولى

مشيت إلى قبري بكل هيبة الحزن

وضعت زهورا

وقرأت الفاتحة

خطأ مطبعي حصل

كان اسمي على الشاهدة

مريبا

حتى تاريخ الولادة والوفاة

كانا كذلك

حفار القبور أخبرني

أني أنا الميت

لكن ثمة خطأ جيني فادح حصل معي

حين ولدت

فكان لي اسمان وشكلان

وبنطالان وحذاءان

وقلب واحد

لم تنجح عمليات الحب والانعاش

باختصاري برجل واحد

مات أحدنا بحادث حب مرير

وبقيت أنا لنفس الحبيبة».

يقول عنه الشاعر "عدنان الدربي": «"محمد حجازي" أديب متواضع، يسعى لتقديم الخدمة للأدباء والأديبات بمتابعة نشاطهم، وما يكتبه يتميز بتألق فريد من نوعه، ويُكثِر من توظيف الآيات القرآنية أو ما في معناها للوصول إلى المعنى والهدف الذي يسعى إليه.

امتاز كتابه الأول بالرموز الشفافة، وكثافة الصور التي تؤكد ذخيرته اللغوية الثرّة، فالكلمة تأتي إليه ولا يبحث عنها، ومن هنا نشأ إبداعه وتفرده».

تقول عنه الأديبة "إقبال حسو": «تميز شعره بالذاتية العامة المغرقة بالعمق، من خلال مفرداته وكناياته الواضحة التي تجر جذوراً متشعبة لمقاصده المبهمة، وله انفراد خاص بنثره الحر الذي وصل به عنان الثقافة المنفتحة على العالم، ومزجها بكينونته؛ حتى أصبحت لوحاته الشعرية تُنسب له من غير معرفتنا بالكاتب.

كما لشعره حقل معجمي خاص ينهل منه باستمرار مثل: (يطفح، سادية، متلبساً، قارورة) وغيرها من المفردات التي يثمل باستخدامها كل ليلة».

كما تقول عنه الشاعرة "رنا رضوان": «شاعر له شعبية في كل ساحات الوسط الأدبي، ليس لكونه مدير دار "الكتب الوطنية" فقط؛ بل لأشعاره الراقية التي تدخل القلوب بلا استئذان، يكتب نصوصه النثرية بكل إبداع وفن وتمكّن، وما يميزها هي الاستعارات الفريدة من القرآن الكريم، وصوره الشفافة، وتعبيره الذي يأخذنا إلى عالم آخر من الإبداع والشعر، فهو شاعر أديب ومُقدِّم فذ لكلّ المناسبات الثقافية».

الجدير بالذكر أنّ "محمد حجازي" من مواليد مدينة "حلب" عام 1972.