يعد جسر "هرة درة" أحد أقدم الجسور المعدنية في منطقة "عفرين"؛ إذ يقوم بوظيفته المرورية منذ أكثر من قرن كجزء من الخط الحديدي الذي يصل بين العالمين الشرقي والغربي.

للحديث حول الجسر وأهميته وتاريخه المروري التقت مدونة وطن "eSyria"، بتاريخ 26 كانون الأول 2014، المعمّر "خليل إبراهيم" من مواليد 1935؛ الذي قال: «يعد جسر "هرة درة" أو كما يسمى شعبياً جسر "حشاركة" من أبرز وأهم المعالم المرورية في منطقة "عفرين".

بالنسبة لأهمية الجسر فكما قلت؛ هو يمثل صلة الوصل بين الشرق والغرب، قديماً كان الخط الحديدي والجسر ضمنه معلماً عسكرياً بحتاً ولكن لاحقاً وبعد انتهاء الحرب تحول إلى خط مدني يسلكه التجار والسياح والمسافرون. أما محلياً وبما أن للخط عدة مواقف في قرى منطقة "عفرين"؛ فسكان القرى النائية الواقعة شمال الجسر يستقلون القطار عبر الجسر للوصول إلى مدن "عفرين" و"حلب" و"دمشق" بتسعيرة مخفضة وبزمن ومسافة مختصرين

استطاع مشيدوه الألمان في بدايات القرن العشرين إيجاد الحل الأمثل لمرور الناس والسياح براحة تامة بين العالمين الشرقي والغربي في منطقة جبلية وعرة لم تكن الطرق البرية الإسفلتية متواجدة حينها.

الجد خليل إبراهيم

يعد الجسر جزءاً من الخط الحديدي لقطار الشرق السريع الذي تم تأسيسه داخل الدولة العثمانية؛ وذلك قبيل حرب "السفر برلك" أو الحرب العالمية الأولى من قبل حليفتها ألمانيا كجزء من الخطط العسكرية الهادفة لنقل الجنود إلى مختلف جبهات القتال في الشرق، وبما أن المنطقة الشمالية من منطقة "جبل الأكراد" كانت جبلية تتخللها وديان عميقة فقد تم إنشاء هذا الجسر لربط جبلين عاليين يفصلهما واد عميق جداً ليصبح الخط بفضل الجسر مختصراً للمسافات في تلك المناطق علماً أن إنشاء الطرق البرية في تلك الأزمنة كانت أكثر تكلفة وأقل أمناً».

ويتابع: «بالنسبة لأهمية الجسر فكما قلت؛ هو يمثل صلة الوصل بين الشرق والغرب، قديماً كان الخط الحديدي والجسر ضمنه معلماً عسكرياً بحتاً ولكن لاحقاً وبعد انتهاء الحرب تحول إلى خط مدني يسلكه التجار والسياح والمسافرون.

السائق كمال حمو

أما محلياً وبما أن للخط عدة مواقف في قرى منطقة "عفرين"؛ فسكان القرى النائية الواقعة شمال الجسر يستقلون القطار عبر الجسر للوصول إلى مدن "عفرين" و"حلب" و"دمشق" بتسعيرة مخفضة وبزمن ومسافة مختصرين».

وحول معاني أسماء الجسر قال: «يسمى الجسر باسمين أحدهما: "هرة درة"، والآخر "حشاركة"، كلمة "هرة درة" باللغة الكردية تعني: "أينما تريد أن تذهب فاذهب"، باعتبار أن الجسر هو بوابة المسافرين الرئيسة والوحيدة إلى تركيا وعبرها إلى العالم الأوروبي كاملاً وإلى "آسيا" والشرق عموماً إياباً، أما كلمة "حشاركة" فتعني "الوعر" أو "الضيق" أو "الزاوية المحصورة"، وهي تسمية شعبية أطلقها السكان على الجسر لكونه يصل بين جبلين عاليين يفصلهما واد وعر ومحصور وعميق جداً، ووجود الجسر في الموقع هو الحل الوحيد لربط قمتي الجبلين».

جسر هرة درة، الواصل بين الشرق والغرب

"كمال حمو" وهو سائق قال: «قبل إنشاء الجسر لم تكن مدينة "عفرين" وكذلك الحدود بين "سورية" و"تركيا" متواجدة؛ لذا كان أهل المنطقة يذهبون إلى مدن "كلس" و"قرق خان" للقيام بعمليات البيع والشراء من بازاراتها الأسبوعية، وكانوا يلاقون صعوبة كبيرة خلال التنقل بسبب وعورة الجبال في تلك المنطقة خاصة أن تلك التنقلات كانت تتم مشياً على الأقدام أو بواسطة الحمير والجمال عبر طرق ترابية بدائية، ولكن بعد إنشاء الجسر أصبح بإمكان السكان المحليين التنقل عبر القطار بكل سهولة وأريحية؛ وهو ما ساهم في تنشيط الحركة التجارية بين الناس على جانبي الحدود حتى بعد إنشائها في العام 1921.

والجسر ما زال إلى يومنا هذا بحالة فنية ومرورية جيدة، وما زالت القطارات تسلكه حاملة الركاب من مختلف البلدان في رحلات سياحية وتجارية».

الباحث في تاريخ منطقة "عفرين" الدكتور "محمد عبدو علي" يقول: «يقع جسر "هرة درة" أو جسر "حشاركة" المهم والضخم والمشاد من مادة الحديد في ناحية "راجو" شمال غرب "عفرين" بنحو 30كم، وهو جزء من الخط الحديدي الذي يمر بمنطقة "عفرين".

يرتبط تاريخ إنشائه بتاريخ مد الخط ويشير التاريخ المكتوب على العوارض الحديدية إلى أن تاريخ صنعها يعود إلى عامي 1911-1912، وإذا كانت عمليات المد قد استغرقت عامين؛ يمكننا أن نستنتج أن الانتهاء من الأعمال قد تم بين عامي 1912-1913 ليصبح بذلك أهم طرق الواصلات البرية – الحديدية؛ الذي يربط الشرق بالغرب، والطريق الوحيد الذي يربط قارتي "أوروبا" و"آسيا".

أقيم جسر "هرة درة" من قبل الألمان على وادي "حشاركة" العميق والوعر في منطقة جبلية قاسية؛ لتسهيل مرور الخط مختصراً بذلك عشرات الكيلو مترات وساعات طويلة من الزمن على المسافرين، وهو يصل بين نفقين مروريين؛ هما نفقا "راجو" الثاني والثالث، ويبلغ طول الجسر 450 متراً وارتفاع 95 متراً، وذلك من أسفل وادي "حشاركة" المذكور».

ويضيف: «ما زال الجسر ومنذ أكثر من قرن من الزمن قائماً بعوارضه الحديدية الضخمة ليقوم بالوظيفة التي أقيم من أجلها؛ وهي الربط بين الشرق والغرب.

عبر هذا الجسر مر آلاف السياح والباحثون والمستشرقون إلى بلادنا للكتابة والتنقيب والمعرفة، حالياً يستفيد أهالي وسكان عشرات القرى على جانبي الجسر من التواصل والسفر عبر القطار إلى مدينة "عفرين"، وخاصة يوم الأربعاء وهو يوم بازار أسبوعي منذ العام 1927، للقيام بعمليات البيع والشراء.

كما يزور الموقع سنوياً آلاف المتنزهين والمصطافين والزوار وهواة التصوير لقضاء يوم في حضن الطبيعة الرائعة، والتقاط صور تذكارية وضوئية لهذا المعلم الحضاري المهم».