تعلّق بحبِّ كرة القدم مبكراً واختار من تفاصيلها الجانب الأصعب ألا وهو عشق ومزاولة التحكيم الكروي في ملاعبنا الخضراء، بقفزات سريعة ناجحة وصل لسدة وقمة تحكيم مباريات الدوري العام، ليعلن في نهاية المطاف ترجله وإطلاق صافرة اعتزاله.

مدوّنةُ وطن "eSyria" بتاريخ 21 أيلول 2020 التقت حكم الكرة "ياسر الحسين" في ملعب "الحمدانية" مع لحظات إعلانه الاعتزال، واستمعت منه لسيرة حياته الرياضية بشكل عام والتحكيمية بشكل خاص فقال: «أنا من مواليد حي "الصالحين" الشعبي في "حلب"، والمعروف عن أهالي هذا الحي الشعبي حبهم للرياضة وعشقهم لممارسة كرة القدم وأنا لم أخرج عن هذا العرف والتقليد، بدأت بمزاولة اللعب وأنا يافع بعمر 13 عاماً على أرض ملعب "الصمود" الشعبي القريب من منزلي، وفي إحدى المباريات التي كنا نلعبها عام 1990، شدني أداء الحكم "ثابت شعبوق" وبعد المباراة اقتربت منه وقلت له: (كابتن أنا حابب كون حكم كيف فيك تساعدني؟)، فرحب بالفكرة ودلني على الطريق الصحيح وخطوات الانتساب للتحكيم وطلب مشاهدتي أولاً وأنا أقود إحدى مباريات الأحياء الشعبية وأثنى على قيادتي، وقدمني للعميد "فاروق بوظو" أثناء زيارته لمدينة "حلب" وكان يشغل بوقتها منصب رئيس الاتحاد العربي السوري لكرة القدم، وطلب مني العميد قيادة مباراة تجريبية على أرض الواقع وأمامه وبمساعدة الحكام الدوليين "اسكندر حمال" و"جمال الشريف"، وأثناء المباراة أراد العميد اختبار مقدرتي الفنية والتحكيمية وطلب من الكابتن "جمال" وبشكل متعمد رفع راية التسلل على حالة سليمة لا وجود لتسلل فيها، وبدلاً من التجاوب مع راية التسلل وإيقاف اللعب سمحت باستمرار الحالة وثبّتُ حالة الهدف، وبعد المباراة شرحت للعميد الواقعة بأنه لا يوجد تسلل، وفوراً وافق العميد على اعتمادي كحكم منتسب جديد بالدرجة الثالثة، ومن هنا كانت بدايتي وانطلاقتي في مجال التحكيم، وكلفت بعدها بتحكيم مباراة أنثوية بين منتخبي "حلب" و"دمشق" وتابعت مشواري وهوايتي وعشقي للتحكيم بقيادة دوري الفئات العمرية والمباريات الودية وبطولة مدارس "حلب"، ولزيادة خبرتي عدت لقيادة أغلب مباريات ملعب "الصمود" الشعبي وبإشراف الكابتن "عمر شعبان" الذي دعمني كثيراً وقام بنصحي بعد كل مباراة ومناقشة الحالات الهامة التي حدثت، وسلمني رئاسة لجنة الحكام للأحياء الشعبية.

بعد مسيرة طويلة وهامة في ملاعبنا الخضراء أفتخر وأعتز بكافة المباريات التي قدتها، وأعتذر من كل نادي أو لاعب ظلمته دون قصد، والآن أعلن انتهاء رحلتي واعتزالي التحكيم لإفساح المجال لجيل رياضي قادم من الشباب يهوى ويعشق التحكيم الكروي

تفرغت للتحكيم وأيقنت أن طريقي ومصلحتي يتطلبان مني الابتعاد رويداً رويداً عن اللعب لمصلحة التحكيم، ومشاهدة أداء الحكام الكبار والاستفادة من تحركاتهم وتمركزهم في أرض الملعب وما يساعدهم على اتخاذ القرار السليم، وتدرجت في النجاح حتى وصلت لمرحلة هامة وحساسة عندما نجحت بالاختبارات الفنية والبدنية للدرجة الأولى، كان ذلك عام 1998، وبعدها تشكل لي رصيد قوي وسمعة حسنة وثقة عند لجنة الحكام الرئيسية، وبدأت أكلف بقيادة مباريات دوري الدرجة الثانية كحكم ساحة حتى شاهدني الحكم الدولي الراحل "محمد حيدر" وقال لي أنت حكم موهوب ومميز، وكان بوقتها عضواً بلجنة الحكام الرئيسية وفي الأسبوع الذي يليه كلفني بقيادة مباراة هامة في الدوري الممتاز بين فريقي "تشرين" و"الجهاد" وكلف هو بمراقبتي ومنحني بعد المباراة علامة مرتفعة وصلت لثماني علامات من عشر لتشكل هذا المباراة انطلاقتي الحقيقية على البساط الأخضر وتعرِّف اللاعبين والأندية على اسمي».

في أرض الملعب

وتابع الحكم "ياسر" عن رحلته قائلاً: «نتيجة نجاحاتي تم تكليفي بقيادة عدة مباريات بكأس الصحفيين وعلى مدار كل عام وكذلك دورات "الوفاء" التي تقام بمدينة "اللاذقية" ودوري الصم والبكم وعديد من المباريات الودية للمنتخبات الوطنية إضافة إلى تكليفي بتحكيم أقوى مباريات الدوري العام ومباريات كأس الجمهورية على مدار كل المواسم اللاحقة، وتم اختياري ضمن حكام النخبة على مستوى القطر في أكثر من موسم، وما حز في نفسي وآلمني كثيراً أني لم أحظ بنيل شرف الحصول على الشارة الدولية التي كنت أستحقها بشهادة الكثير من الخبرات التحكيمية لأسباب عديدة أجهل أغلبها».

وعن مستوى التحكيم قال: «خلال مسيرتي في الملاعب والتي امتدت لأكثر من ثلاثين عاماً عاصرت أسماءً وقاماتٍ تحكيميةً كبيرةً وهامةً في مدينتيْ "حلب" والمحافظات الأخرى وتعلمت منهم حرفية وأهمية التحكيم وكيفية اتخاذ القرار الصحيح في أجزاء من الثانية ما تتطلب من الحكم أن يكون حاضراً بدنياً وذهنياً متمتعاً بلياقة بدنية عالية مع متابعة الكرة والهجمات والارتدادات المعاكسة إضافة للتمركز الصحيح والتعاون التام مع زملائه الحكام المساعدين، ولا شكّ أنّ بلدنا "سورية" خرّجت أسماء تحكيمية هامة على المستوى العربي والآسيوي والدولي وأهمهم الدولي الكابتن "جمال الشريف" الذي حمل لقب سفير التحكيم السوري للعالم عندما شارك بثلاثة نهائيات في كأس العالم، وحالياً يحرص اتحاد الكرة ولجنة الحكام الرئيسية على إعادة البناء والهيبة من جديد للحكام السوريين في الملاعب العربية والآسيوية وفق أسس ومعدات حديثة متطورة إضافة لحضور دورات الصقل والندوات المستمرة وتحليل كافة المباريات والأخطاء التي وقع بها الحكام والثناء على الحالات الإيجابية وزيادة الأجور والتعويضات بشكل مناسب لمصاريف سفرهم وتعبهم».

قبل بدء المباراة

وختم الحكم "ياسر" حديثه قائلاً: «بعد مسيرة طويلة وهامة في ملاعبنا الخضراء أفتخر وأعتز بكافة المباريات التي قدتها، وأعتذر من كل نادي أو لاعب ظلمته دون قصد، والآن أعلن انتهاء رحلتي واعتزالي التحكيم لإفساح المجال لجيل رياضي قادم من الشباب يهوى ويعشق التحكيم الكروي».

الحكم الدولي السابق "نزار وته" قال: «جاء الحكم "ياسر الحسين" إلينا وهو شاب صغير بعمر دون 15 عاماً يريد الانتساب ودخول سلك التحكيم، وعندما أعطيناه الفرصة المناسبة لعمره وجدنا فيه الموهبة التي كنا نبحث عن أمثالها، وبالعموم أثبت خلال مسيرته جدارة تحكيمية وأقنع الجميع بموهبته وتألق في ملاعبنا بقيادة مباريات هامة وحساسة، وكان لي شرف تكليفي بمراقبته في أكثر من مباراة ومنحته علامات جيدة نظراً لكفاءته ومقدرته وحسن تفهمه وتطبيقه لقانون اللعبة».

أثناء قيادة المباراة

أما الحكم الدولي السابق "أحمد قزاز" فقال: «تشاركنا وسافرنا أنا والحكم "ياسر" في مباريات عديدة أعطى خلالها جميع الأندية واللاعبين انطباعاً مريحاً عن مستواه الفني وكان عاملاً إيجابياً في نجاح أغلب المباريات التي قدناها معاً، وبرع كحكم ساحة في أغلب المباريات وتميز بصافرته العادلة والحازمة».

الجدير بالذكر أنّ الحكم "ياسر الحسين" من مواليد مدينة "حلب" عام 1974.