يشكل الحالة الثانية في العالم للعثور على عمارة سكنية داخل الكهوف، وهو أضخم كهف بين مجموعة الكهوف الخمسين الموجودة في جبل "سمعان"، وفيه 15 طبقة أثرية تعود إلى حقب مختلفة...

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 19 أيار 2014، الباحث الآثاري "عقبة خلوف"، وعن كهف "الديدرية" يقول: «يقع كهف "الديدرية" في وادي يحمل الاسم نفسه في جبل "سمعان" الذي يبعد عن مدينة "حلب" 65 كيلومتراً شمالاً، ويطل على منطقة وادي "عفرين". ويعود تاريخه إلى "الباليوليت الأوسط" أي 200 ألف إلى 40 ألف قبل الميلاد».

يقع كهف "الديدرية" في وادي يحمل الاسم نفسه في جبل "سمعان" الذي يبعد عن مدينة "حلب" 65 كيلومتراً شمالاً، ويطل على منطقة وادي "عفرين". ويعود تاريخه إلى "الباليوليت الأوسط" أي 200 ألف إلى 40 ألف قبل الميلاد

ويتابع: «في عام 1987م قامت بعثة "سورية – يابانية" بإجراء مسح أثري لمنطقة "وادي الديدرية" في جبل "سمعان"، وتبين وجود أكثر من خمسين كهفاً وملجأً أثرياً في عدد من الوديان التي تقطع الجبل، وعثر في العديد منها على آثار إقامة إنسان من العصر الحجري بمختلف مراحله، ويعد كهف "الديدرية" الأضخم بينها جميعاً، حيث تبلغ أبعاده 60 × 15م وارتفاعه 10 متر، وبدأت التنقيبات الرسمية فيه عام 1989م ومازالت مستمرة، وبدأت هذه التنقيبات بفتح عدة منافذ في مدخل الكهف وفي داخله، ثم تركزت في القسم الرئيس من المغارة، حيث ظهرت 15 طبقة أثرية بلغت ثخانتها 5 أمتار، وتدل على سكن المغارة من قبل إنسان "النياندرتال" في العصر الحجري القديم "الباليوليت الأوسط"».

أثناء التنقيبات

ويضيف "خلوف": «من أهم المكتشفات التي أتت من تلك المنطقة، الهياكل العظمية العائدة إلى هذا الإنسان، إذ عثر على بقايا عظمية متنوعة تعود لنحو 15 شخصاً، أكثرهم من الأطفال، وأهمها الهيكل العظمي المسمى "طفل الديدرية الأول"، الذي وجد عام 1993 في الطبقة الثالثة عشرة، على عمق 1.5 متر تقريباً من سطح الأرض، ويعود إلى طفل عمره 2.5 سنة تقريباً، دفن في حفرة مستلقياً على ظهره ويداه ممدودتان وقدماه مثنيتان وتحت رأسه بلاطة حجرية، وعلى صدره من جهة القلب أداة صوانية عليها مؤشرات عملية دفن شعائري تدل على حس تأملي وبدايات تفكير فلسفي وديني لدى إنسان "نياندرتال" الذي عرف أنه أول من دفن موتاه ولم يتركهم للحيوانات وعوامل الطبيعة، ويعدّ هذا من أقدم ما عرف في العالم عن هذا الموضوع، وهذا الهيكل هو الأفضل حفظاً من نوعه حتى اليوم، وهناك الهيكل الثاني الذي وجد عام 1997-1998، المسمى "طفل الديدرية الثاني"، وهو بنفس عمر الطفل الأول تقريباً، وقد وجد في الطبقة الثالثة في المغارة، على عمق 50سم عن السطح في حفرة عمقها 25سم، لكنه ليس كاملاً، وإنما اقتصر على عظام الرأس والأطراف ووجدت معه كميات مختلفة من الأدوات الحجرية وعظم ظهر سلحفاة، ويقدر أن الهيكلين يعودان إلى العصر الحجري القديم الأوسط أي حوالي 100 ألف سنة قبل الميلاد».

أما الآثاري "يعرب قدوري" فيقول عن مكتشفات الكهف: «عثر من خلال التنقيبات التي تمت في مدخل الكهف على دلائل عمارة سكنية قد تنبئ عن اكتشافات واعدة؛ لأنها ستكون الحالة الثانية في العالم التي يعثر فيها على عمارة سكنية داخل الكهوف، وتعود هذه العمارة إلى العصر الحجري الوسيط أي الألف العاشر والتاسع ق.م».

بقايا عظام الأطفال

ويتابع: «عثر داخل الكهف أيضاً على أدوات حجرية متنوعة، أهمها "النصال"، و"المقاحف" العائدة إلى ما يسمى بالحضارة "الموستيرية"، وهناك بقايا عظمية لحيوانات مختلفة منها: الماعز، والغنم، والبقر، والغزال، والحصان، وبقايا نباتات، إضافة إلى بقايا المواقد التي كان يتحلق حولها الناس ليمارسوا أنشطتهم المادية والروحية، ولقد أرخت الطبقات الأثرية في المغارة على عصر يراوح بين 50000 – 80000 سنة، وهناك آثار استيطان تعود إلى الألف الثانية عشرة قبل الميلاد أي "العصر النطوفي"، كما تلقي مكتشفات كهف "الديدرية" ضوءاً جديداً على قضية ظهور إنسان "النياندرتال"، وانتشاره في الأرض وعلاقته بالإنسان العاقل».

الآثاري عقبة خلوف