تعد قلعة "جان بولات" إرثاً حضارياً لأسرة "جنبلاط" التي حكمت إمارة "كلس" في القرن السابع عشر، وما بقي منها اليوم معالم 3 خزانات مياه ومزار خاص بالإيزيديين...

للحديث حول تاريخ هذه القلعة وأوصافها مدونة وطن "eSyria" التقت الدكتور "محمد عبدو علي" الباحث في تاريخ وتراث منطقة "عفرين"، وذلك بتاريخ 7 نيسان 2014، ويقول: «تقع "قلعة جان بولات" على قمة "جبل بارسي" على ارتفاع 850م، وهي تشرف من جنوبها الشرقي على مدينة "إعزاز" بمسافة 5كم، أما المسافة بينها وبين سهل "مرج دابق"، التي حدثت فيها المعركة الشهيرة بين العثمانيين والمماليك في العام 1516م، فهي نحو 13كم، ومن الجهتين الشمالية والغربية فتطل القلعة على حوض "نهر عفرين" ومرتفعات "جبل الأكراد"، كما يمكننا أن نشاهد منها أنوار مدينة "حلب" ليلاً إذ تبعد عنها نحو 40كم، وأخيراً فإن المسافة بينها وبين مدينة "عفرين" 15كم شرقاً».

اشتهرت الأسرة "الجانبولاطية"، التي كانت من أصل كردي في منطقة "كلس" و"جبل الأكراد" و"حلب" في مطلع القرن السابع عشر، ولا تزال آثار قلعتهم وسكناهم وصهاريج المياه التي كانوا يجمعون فيها مياه الأمطار، والمبنية وفق طراز هندسي راقي ودقيق على قمة جبل "بارصا خاتون" أو "بارسي" بين "عفرين" و"إعزاز"

ويتابع: «تبلغ مساحة قمة "جبل بارسي" التي أقيمت عليها "قلعة جان بولات" نحو 4 هكتارات، تغطيها حالياً الأشجار الحراجية، أما القلعة وسورها فقد كانت معالمها الأساسية واضحة وقائمة حتى منتصف القرن العشرين وما تبقى منها حالياً أطلال القلعة، وفيها ثلاثة خزانات مياه؛ اثنان منها على الحافة الغربية للجرف الصخري بجوار السور، والثالث هو خزان مياه رائع يقع في أقصى الطرف الجنوبي من قمة الجبل عند نهاية الانحدار، وهو عبارة عن صهريج أرضي سقفه مقنطر يعلو قليلاً عن سطح الأرض وبابه مقنطر متوجه إلى الشمال، ويبلغ طول هذا الخزان 15 متراً وعرضه 10 أمتار، أما الارتفاع الحالي للخزان فيبلغ 8 أمتار، بينما العمق فلا يمكن معرفته بدقة بسبب امتلاء قاعه بالتراب والحجارة، إلا أن أهالي القرى المجاورة يتذكرون أن النزول إلى قاع الخزان الأثري كان يتم بأربعين درجة، وكانت تلك الدرجات مركبة على قناطر في وسط الباب، توجد منها حالياً قنطرتان فقط عليهما 15 درجة، أما جدران الخزان فلا تزال سليمة ومحتفظة بطبقتها الملساء الحمراء، وعلى الجانب الشرقي للخزان مقبرة قديمة ومزار "بارسي خاتون" الخاص بالإيزيديين».

ويضيف: «أعتقد أن "قلعة جان بولات" هذه أقامتها الأسرة المندية الكردية التي حكمت مناطق "كلس"، و"جبل الأكراد"، و"جوم" على شكل إمارة مستقلة حتى أوائل القرن السابع عشر الميلادي، وقد سميت باسم أبرز أمرائها وهو الأمير "جان بولات" حاكم هذه الإمارة في القرن الخامس عشر، أما التاريخ الذي أهملت فيه القلعة فيتعلق باختراع البارود وانتشار الأسلحة النارية التي رافقت احتلال العثمانيين لهذه البلاد إذ تحولت الحصون والقلاع إلى مراكز مدنية، أو أهملت فآل مصيرها إلى الخراب ومن جملتها قلعة "جان بولات"، وفي الحقيقة هناك التباس بين اسم "قلعة إعزاز" و"قلعة جان بولات"، وفيما إذا كانتا اسماً لقلعة واحدة أو أنهما قلعتان مختلفتان، وإن المصادر التاريخية التي أرخت لاستيلاء المسلمين الأوائل على مناطق "أنطاكية" و"سيروس" لم تأت على ذكر مدينة أو "قلعة إعزاز" في أحداث استسلام مدينة "سيروس" أو "النبي هوري" في العام 16 هجري 637م، كما لم تذكر وجود قلعة بجوارها وقد ذكرها بعضهم فيما بعد باسم "تل إعزاز"، وقد يكون القصد بالتل "جبل بارسي" رغم أنه يوجد تل وسط مدينة "إعزاز"، أما بعد هذا التاريخ وخاصة خلال الفترتين المملوكية والأيوبية فقد وقعت أحداث كثيرة متعلقة باسم "قلعة إعزاز"، أما إذا كانت "قلعة جان بولات" هي غير "قلعة إعزاز" فستكون الأولى قد بنيت بعد الفترة الأيوبية حين آلت معظم القلاع القديمة في المنطقة إلى الخراب بعد تدميرها من قبل المغول والصليبيين والمماليك وغيرهم، ومن بينها "قلعة إعزاز" وما يعزز هذا الرأي هو نوع الحجارة الصغيرة والرديئة الصنع التي بنيت منها "قلعة جان بولات"».

أما الأستاذ "مروان بركات" الباحث في تاريخ منطقة "عفرين" فيقول حول القلعة: «اشتهرت الأسرة "الجانبولاطية"، التي كانت من أصل كردي في منطقة "كلس" و"جبل الأكراد" و"حلب" في مطلع القرن السابع عشر، ولا تزال آثار قلعتهم وسكناهم وصهاريج المياه التي كانوا يجمعون فيها مياه الأمطار، والمبنية وفق طراز هندسي راقي ودقيق على قمة جبل "بارصا خاتون" أو "بارسي" بين "عفرين" و"إعزاز"».