خلال زيارتك لقلعة "حلب"، عليك اجتياز جسر حجري يقع بين مدخل القلعة على الشارع العام والباشورة /الحصن الرئيسية/ ويتوسطه أحد بروج القلعة الذي يُسمى البرج الأمامي المتقدم، وبحسب المصادر التاريخية فإنّ بناء الجسر مع ركائزه الثماني تم في القرن الثالث عشر الميلادي.

حول الجسر وتاريخه وقصة السقالة الخشبية التي لم يعد لها من أثر اليوم يقول الأستاذ "عامر رشيد مبيض" مؤرخ "حلب" المعاصر: «حين أصبح الظاهر "غازي" ملكاً على "حلب" قام بنهضة عمرانية شاملة بدأت في العام "588 هجرية /1192 ميلادية" وانتهت في العام "611 هجرية /1214 ميلادية"، وقد بلغت تكاليف أعمال التحصين في القلعة التي أمر بها الملك الظاهر "غازي" 50000 دينار ذهبي حيث أمر بتوسعة خندق القلعة ثم أمر بالحفر جانب الميدان وعندما وصل الحفر حتى مستوى المياه الجوفية أمر ببناء الأعمدة الحجرية الثمانية من قاع الخندق وحتى مستوى أرض الميدان».

لقد وضع على الركائز الثمانية عوارض من خشب شجرة التوت ومن جذوع أشجار الدلب والسنديان فعشّق أطرافها بعضاً على بعض وجعله طريقاً ممتداً حتى تل القلعة

وحول وصف الجسر حينها يضيف "مبيض": «لقد وضع على الركائز الثمانية عوارض من خشب شجرة التوت ومن جذوع أشجار الدلب والسنديان فعشّق أطرافها بعضاً على بعض وجعله طريقاً ممتداً حتى تل القلعة».

الجسر الحجري المقنطر من الأعلى

وحول الأعمدة الحجرية الثمانية الموجودة اليوم والتي يقوم عليها الجسر الحجري يقول متابعاً: «تلك الأعمدة لم تكن مرصوفة بالحجارة البازلتية في عهد الملك الظاهر "غازي" بل بعوارض خشبية من شجرة التوت وجذوع الدلب والسنديان كما قلت وقد تم ترصيفها بالحجارة في زمن آخر سلاطين المماليك وهو "قانصوه الغوري" حيث بدأت الأعمال في العام "911 هجرية /1505 ميلادية" وانتهت في العام "915 هجرية /1509 ميلادية"».

وحول السقالة الخشبية التي كانت موجودة بين البرج الأمامي المتقدم الواقع وسط الجسر والطريق العام يقول "مبيض": «بحسب المؤرخ "ابن العجمي" فإنه في العصر المملوكي حين أصبح "دمرداش" نائباً لحلب قام بتخريب عدد كبير من المباني في المدينة وأعاد استعمال حجارتها في بناء البرج الأمامي المتقدم وسط الجسر الحجري الكبير ومن بين المباني التي خربها "خان القواسين" الذي استعمل أعمدته.

مكان السقالة الخشبية

لقد جعل "دمرداش" فسحة /أي هوة، حفرة عميقة، خلواً/ بين البرج الأمامي المتقدم والمدينة أي بين البرج والطريق العام يوضع عليه سقالة من الخشب ويحميها مشط من الحديد يُرفع ويُخفض بواسطة ملفات /عجلات/ ويمر عليها الصاعد إلى القلعة فيشكّل هنا في الواقع باب سادس علاوة على الأبواب الأخرى فإذا تسنى لأحدهم أن يقتحم مدخل القلعة يُخفض هذا المشط الحديدي فيبقى المهاجم /المقتحم/ محصوراً داخل هذا المشط وتحته الحفرة العميقة.

حول السقالة الخشبية هذه تختلف الروايات التاريخية فإنّ "ابن الشحنة" "890 هجرية /1485 ميلادية" وهو مؤرخ معاصر للمؤرخ "ابن العجمي" يقدم رواية مخالفة لرواية "ابن العجمي" وينسب أعمال التجديد في القلعة وبناء أسوارها والبرجين إلى نائب "حلب" الأمير "جكم" وليس إلى الأمير "دمرداش".

صورة قديمة للجسر الحجري تعود إلى بدايات القرن الماضي

وفي ذلك يقول "ابن الشحنة" بأنه وبعد تخريب "تيمورلنك" لأسوار "حلب" وقلعتها وحرقها استمرت خراباً إلى أن جاء الأمير "جكم" نائباً إليها فأمر ببناء القلعة /أي ترميم وإعادة بناء ما تهدم/ وخرّب "مكتب السلطان حسن"، وكان في شمالي "حمام الناصري" قنطرة كبيرة جداً مبنية بالحجارة الهرقلية وجانبها الشمالي على كتف الخندق يقال لها "باب القوس البراني" فخرّبها الأمير "جكم" وبنى بها البرجين وأسوار القلعة كما كانت وأمر ببناء القصر على سطح البرجين».

ويتابع "مبيض" مبدياً رأيه بقصة السقالة الخشبية: «السقالة الخشبية المتحركة كانت تمتد مكان الدرج الحجري الأول الممتد من بوابة البرج الأول حتى الطريق العام حيث توجد لوحة خشبية تنبه الزائر إلى مكانها.

برأيي أن هذه السقالة الخشبية أمر بها نائب "حلب" المتمرد دائماً الأمير "جكم" الذي أعلن العصيان على سلطان مصر والشام الناصر "فرج بن برقوق" وعلى نائب السلطان في "حلب" الأمير "دمرداش" وأزاحه بالقوة عن نيابة "حلب" ونصب الأمير "جكم" نفسه سلطاناً عليها ولقب نفسه بالعادل ولأنه خطط بشكل مسبق لما سينفذه فقد أمر بتحصين قلعة "حلب" وبنى فيها برجي رماية في خندق القلعة أحدهما في الجهة الجنوبية والآخر في الجهة الشمالية».

ويقول الدكتور "شوقي شعث" أمين المتحف الوطني بحلب سابقاً في كتابه /"قلعة حلب"، دليل أثري تاريخي/- دار القلم العربي 1993- ما يلي حول الجسر الحجري المقنطر: «كان البرج الأمامي المتقدم يتصل في الأصل بالقلعة بواسطة جسر خشبي ثم اُستبدل بجسر ثابت من الحجر ويقوم على ثمانية أقواس.

لقد نالت القلعة الحلبية حظوة عند ملوك بني أيوب وبلغت ذروتها في عهد السلطان الملك الظاهر "غازي بن صلاح الدين" الذي افتتح فيها ورشة عمل كي يجعل منشآتها المعمارية متناسقة رغبة في جعلها متلائمة مع متطلبات حكمه، وبنى فيها عدداً من القصور وأنشأ صهاريج للمياه وحماماً وبستاناً كما بنى المسجد الكبير فيها، وحصّن القلعة وأوجد لها مدخلا جديداً وحيداً يحميه برجان قويان وثلاثة أبواب من الحديد الثخين كما أمر بحفر الخندق المحيط بالقلعة وتصفيحها بالحجارة الهرقلية وأنشأ الجسر الحجري الثابت على ثمانية قناطر».