«لقد ساهمت مدينة "حلب" من خلال فنانيها المبدعين في تطوير فن رسم الأيقونات وذلك من خلال تأسيس ورشة عمل كبيرة من قبل عائلة المصوّر حيث عمل العديد من الفنانين وتحديداً من عائلة المصوّر في رسم أكثر من مئة أيقونة توزعت بين كنائس لبنان وسورية ولدى العديد من العائلات الحلبية والسورية واللبنانية المهتمة باقتناء الايقونات إضافةً إلى اكتشاف المزيد منها حتى اليوم».

هذا ما قاله الباحث الأثري "عبد الله حجار" لمراسل مدوّنة وطن eSyria الذي زاره في منزله بمدينة "حلب" بتاريخ 11/1/2010 مفتتحاً بذلك حديثه حول تاريخ مدرسة الايقونات الحلبية، وأضاف:

يجب أن يكون الخشب من النوع الجيد بحيث يقاوم الحرارة والرطوبة ولا يتشقق عند الرسم عليه وأفضل أنواعه خشب الزان

«لقد تأسست مدرسة الأيقونات الحلبية ونالت شهرة كبيرة خلال الفترة الممتدة بين النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي والنصف الأول من القرن الثامن عشر الميلادي وذلك من خلال إنتاجها الفني الغزير بدءاً من إبداعات الأب الخوري "يوسف المصوّر" الذي ولد في مدينة "حلب" حوالي منتصف القرن السابع عشر ومن بعده ولده القس "نعمة الله المصوّر" وحفيده الشماس "حنانيا المصوّر" وابن حفيده الشماس "جرجس المصوّر"، من حسن الحظ أنّ رسامي الأيقونات الحلبية عمدوا إلى التوقيع على أيقوناتهم وتدوين تاريخ رسمها وذلك على خلاف الأيقونات البيزنطية التقليدية وبالتالي حموها من الضياع».

أيقونة الدينونة الأخيرة

وحول أهم ما تميزت بها الأيقونات الحلبية قال "حجار": «أهم هذه المميزات هي أنّ الرسامين الحلبيين الذين أبدعت أناملهم في رسم تلك الأيقونات أضافوا إليها صبغة محلّية ونفساً عربياً سورياً بحيث يتم التعرّف عليها بمجرد رؤيتها من قبل الباحثين والفنانين المختصين ويتمثل هذا النفس المحلي في وجود سيف عربي إسلامي معقوف في بعضها وكذلك الوجه الشاحب والخلفية الذهبية وثياب البروكار /وهو نوع من الحرير الدمشقي الأصيل/ في بعضها الآخر وهكذا».

وسأله مراسلنا عن مكان وجود هذه الأيقونات فأجاب: «كما قلت قبل قليل لقد رسمت ورشة الايقونات الحلبية خلال قرن من الزمن وذلك بين منتصف القرن /17/ وحتى منتصف القرن /18/ م أكثر من مئة أيقونة توزعت على العديد من الكنائس في سورية ولبنان ولدى العائلات المحبة لاقتنائها، والمعروف أن نعمة المصوّر/1666 -1724 / بحسب رأي الباحثة "سيلفيا عجميان" رسم لوحةً للدينونة الأخيرة في العام /1694/ وهي موجودة في "دير السيدة" في "البلمند" في لبنان وهي تعبر عن إبداع رسام متمرّس ذي خبرة ورسمت على قماش من الخام بأبعاد /3,80 م×2,45 /م وهي من أقدم أعماله المعروفة ورغم أنه قضى معظم حياته في مدينة "حلب" إلا أنّ أيقوناته منتشرة في سورية ولبنان من أقدمها في العام /1686/ وحتى آخر عمل له بتاريخ/ 1722/، وقد عمل كثيراً في كنيسة الأربعين شهيداً للأرمن الأرثوذكس في "حلب" وكان أول من وضع حواش زخرفية جميلة في الأيقونة وعرف كذلك برسم الصور الصغيرة(المنمنمات)، أما ولده "حنانيا" المولود في "حلب" في أواخر القرن السابع عشر فقد سار على منوال أبيه حيث عاش في "حلب" وتوفي فيها بعد العام /1740/ وكان أول عمل له مع والده في أيقونة الدينونة الأخيرة في كنيسة الأربعين شهيداً التي تحوي أيضاً ست أيقونات حلبية وتعد أيقونة الدينونة الأخيرة فيها من أجملها».

الباحث الأثري عبد الله حجار

وتابع متحدثاً عن أيقونة الدينونة بالقول: «هي موجودة في الجدار الشمالي للبهو الشمالي للكنيسة وقد ملأت القوس الأوسط من الجدار بكامله حيث صنعت خصيصاً للمكان الذي وُضعت فيه وهي على شكل قوس منتظم بارتفاع /4.46/ م وقاعدة أفقية بطول/3.75 /م ومرسومة على قماش قدمها الحاج "كركور شماع" خصيصاً إلى الكنيسة وهي من رسم الفنانين "نعمة الله المصوّر" وولده "حنانيا المصوّر" ويعود تاريخ رسمها إلى العام /1708/م وذلك بحسب الكتابة المدوّنة أسفلها باللغتين العربية والأرمنية».

وختم بالقول: «لا بأس من أن تستمتع في كنيسة الأربعين شهيداً نفسها وفي المتحف القريب منها بمشاهدة أيقونات أخرى من إنتاج المدرسة الحلبية وهي: أيقونة القديس "جاورجيوس" من رسم "حنانيا المصوّر" في العام/1717/ وعماد السيد المسيح من رسم الشماس "جرجس المصوّر في العام /1756/ والأيقونة الثلاثية /"العذراء" والقديس "يوسف" و"يوحنا المعمدان"/ من رسم "جرجس" في العام /1768 / وأيقونة الأربعين شهيداً من رسم "حنانيا"».

الفنان جميل كنهوش

ومن الذين ما زالوا يمارسون حرفة رسم الايقونات في مدينة "حلب" الفنان "جميل كنهوش" الذي التقاه مراسلنا في "خان الشونة" السياحي وسأله أولاً عن مراحل العمل في رسم الأيقونات فقال: «نقوم أولاً بقص الخشب على شكل مربع أو مستطيل بحسب الطلب ومن ثم نلصق عليه قطعة قماشية بيضاء اللون مع وضع طبقة أساسية من دهان أبيض يسمى (ليتيبون) وهو بودرة نمزجها مع الغرّاء والماء ومن ثم نقوم بعملية الحف كي تصبح الطبقة ناعمة وصالحة للرسم عليها.

بعد ذلك نقوم برسم الخطوط الأولية للموضوع المراد انجازه رسماً بواسطة قلم رصاص ثم نحفر تلك الخطوط بواسطة أداة حادة وناعمة ونلوّن الموضوع بالألوان المناسبة علماً أنّ الحرفيون قديماً كانوا يستعملون الألوان المتوافرة في الطبيعة مثل الأتربة ذات الألوان المختلفة والخل ومح البيض وغيرها في العمل، أما اليوم فما زلنا نستعمل تلك الألوان الطبيعية إضافةً إلى الألوان العادية والمتوافرة في محلات خاصّة في السوق، وبعد الانتهاء من رسم الأيقونة نقوم بلصق ورق الذهب على خلفيتها لأنها تتضمن مواضيع مقدسة وفي المراحل الأخيرة نقوم بإضافة الزخارف إليها وذلك حسب رغبة الزبون، وأخيراً ندهن الأيقونة بالكامل باللكر للحفاظ عليها وإعطائها اللمعة المطلوبة».

وأضاف: «يجب أن يكون الخشب من النوع الجيد بحيث يقاوم الحرارة والرطوبة ولا يتشقق عند الرسم عليه وأفضل أنواعه خشب الزان».

وعن الفرق بين الأيقونة واللوحة الفنية العادية قال: «الأيقونة تتضمن صور الشخصيات الدينية المعتبرة والقديسين مثل السيد المسيح والسيدة "مريم العذراء" وغيرهم وهي باختصار تمثل رمزاً دينياً أكثر من أن تكون لوحة فنية تتضمن رسماً للطبيعة والأشخاص العاديين وغيرها مثل البحر أو السماء أو الورود».

وأخيراً وعن الهدف من رسم الايقونات قال: «كانت الأيقونة قديماً كتاب المؤمن الأمي الذي لم يكن يعرف القراءة والكتابة فكان يقوم باقتنائها ليفهم منها بعض الإرشادات الدينية البسيطة بوضعها على جدران الكنائس، أما اليوم فبالإضافة إلى تعليقها في الكنائس يقتنيها الناس لتعليقها في بيوتهم كنوع من الحصول على البركة أو إهدائها لكنيسة معينة كما يقوم السياح بشرائها أثناء زيارة المدينة».