يتجدد في مدينة "عفرين" أسبوعياً سوق الدواب الذي يتم فيه بيع وشراء مختلف أنواع الحيوانات كالماشية والحمير والبغال والثيران وله يوم خاص هو الثلاثاء.

موقع eAleppo سأل عدداً من أهل المنطقة حول هذا السوق فقال السيد "مصطفى إبراهيم" من قرية "جوم" في "جنديرس" 57 عاماً: «"سوق الدواب" هو سوق أوجد إلى جانب سوق "عفرين" الرئيسي والذي يباع فيه مختلف أنواع الأدوات المنزلية والمحاصيل الزراعية والمواد الغذائية والأقمشة وغيرها ويقام في يوم الأربعاء من كل أسبوع منذ أكثر من 75 سنة وذلك إبان الاحتلال الفرنسي لسورية.

بازار الدواب كان شريان "عفرين" وكل المنطقة إذ كان يغذي كل القرى بما تحتاجه من مختلف أنواع الحيوانات، ومع قدوم عيد الأضحى المبارك كان يظهر الدور الكبير لذلك البازار في تقديم الأضاحي اللازمة للذبح في صبيحة يوم العيد

إنّ وجود سوق للدواب فرضته ظروف المنطقة وواقعها الزراعي والرعوي فقد كان للحيوانات- وما زال إلى حد ما- وجود أساسي في حياة أهل المنطقة حيث كانوا يستخدمونها في مختلف مجالات حياتهم الريفية، فالحمير كانت تستعمل للركوب والنقل والثيران للفلاحة والأغنام والماعز للاستفادة من صوفها وحليبها والدجاج من بيضها البلدي وهكذا.

مصطفى إبراهيم -مزارع

إنّ "سوق الدواب" كان أكثر نشاطاً وحيوية قبل حوالي 25 سنة فاليوم انتشرت وسائل النقل الحديثة والآلات الزراعية في الكثير من أرجاء المنطقة وحلولها مكان الثيران والأحصنة في حراثة الأراضي والحمير في نقل المحاصيل وتنقلات الإنسان وعلى الرغم من ذلك فالسوق ما زال يقام في موعده ويشهد إقبالاً كبيراً من الفلاحين والمزارعين والرعاة وغيرهم».

السيد "جهاد حسين" تاجر أحصنة قال: «على الرغم من التطور الكبير الذي شهدته المنطقة إلا أنّ "سوق الدواب" ما زال يقام أسبوعياً في يوم الثلاثاء ليشهد العشرات من عمليات البيع والشراء للدواب فالكثير من قرى المنطقة وعرة ولا تستطيع الآلات الزراعية الحديثة الوصول إليها ولذلك يعتمد أهل تلك القرى في حراثة أراضيهم الزراعية ونقل محاصيلهم على الحيوانات على الرغم من أنّ السوق تحول تدريجياً إلى سوق للماشية من أغنام وماعز بالدرجة الرئيسية في الوقت الحالي».

الدكتور محمد عبدو علي

وأضاف: «لسوق الدواب أعرافه الخاصة التي يلتزم بها جميع زواره من بائعين ومشترين وفي مقدمة هذه الأعراف هو أنّ للدلالين دوراً كبيراً ومحورياً في إتمام عمليات البيع والشراء بين الناس مقابل مبلغ يتفق عليه من المال وهو عادة شخص خبير بأمور الدواب من حيث عمرها وأمراضها وأسعارها وغير ذلك وإذا جرى بين البائع والمشتري نقاش حول سعر حيوان ما فإنّ الدلال هو من يتوسط بينهما لإتمام عملية البيع والشراء والقرار الأخير في تحديد السعر يعود له بحسب خبرته التي تمتد لسنوات عديدة وبالتالي لا يظلم الطرفين».

وختم: «إنّ "سوق الدواب" يتحول تلقائياً إلى سوق للأضاحي خلال الأسبوع الذي يسبق عيد الأضحى المبارك وذلك دون التقيد بموعده الأسبوعي المعروف وهو يوم الثلاثاء حيث يأتي إليه الناس من كل نواحي وأرياف المنطقة والمناطق المجاورة إما لبيع الأضحية أو لشرائها.

لقطة من سوق الدواب

ومن القصص الطريفة المعروفة التي ما زال أهل المنطقة يتداولونها حول "سوق الدواب" هو قصة ثور عجوز كان يأتي به صاحبه للسوق أسبوعياً لكي يبيعه وبما أنّ الدلالين خبراء في أمور الحيوانات كما قلت حيث كانوا في كل مرة يفتحون فم الثور لتفقد أسنانه وباعتباره كان عجوزاً فلم يكن له أسنان ولذك فشل صاحب الثور ببيعه، أما الثور فمن كثرة فتح فمه في السوق ولأسابيع عدة فقد تعلم هذه العادة وبمجرد أن كان الدلال يقترب منه كان يفتح فمه من تلقاء نفسه.

وهناك قصة أخرى طريفة معروفة وهي أنّ أحد الفلاحين كان لديه بغل لا يصلح للعمل في الفلاحة فقرر بيعه في "سوق الدواب" وباعه فعلاً بخمس وعشرين ليرة /قبل حوالي 50 سنة/ فأخذه التاجر إلى طرف من أطراف السوق وقام بقص شعر ذيله ورأسه وقسم من جسمه ووضع في رقبته بعض الخرز وأعاده للسوق ليشتريه صاحبه الأول دون أن يعرفه وخلال العودة إلى قريته استغرب من أنّ الحيوان يعرف طريق العودة للبيت جيداً حتى أعلمته زوجته بالسر».

الأستاذ "جمعة عبد القادر"* يقول عن "سوق الدواب" في الخمسينيات من القرن المنصرم: «كان يقام بازار الدواب على هامش البازار الكبير بيوم واحد وهو يوم الثلاثاء ومكانه الجهة الشمالية الشرقية من مدينة "عفرين" وفي العراء حيث لم يكن له أرض مرصوفة أو سور بل أرضاً في البرية على أطراف المدينة.

في يوم الاثنين مساء كانت تنهال على "عفرين" كل أنواع الحيوانات ومن كل أطراف المنطقة لتتجمع في أرض البازار كالأبقار والخيول والخرفان والماعز والحمير والدجاج بكل أنواعه والطيور وحتى الجمال، والعادة الشائعة في البازار هو الكشف عن أسنان الحيوان قبل شرائه وذلك لمعرفة عمره الحقيقي حسبما أعتقد».

ويختم حديثه بالقول: «بازار الدواب كان شريان "عفرين" وكل المنطقة إذ كان يغذي كل القرى بما تحتاجه من مختلف أنواع الحيوانات، ومع قدوم عيد الأضحى المبارك كان يظهر الدور الكبير لذلك البازار في تقديم الأضاحي اللازمة للذبح في صبيحة يوم العيد».

الدكتور "محمد عبدو علي" وهو طبيب وباحث في تاريخ المنطقة قال: «في العهد العثماني كان السوق الرئيسي في المنطقة يقام في مدينتي "كلس" و"قره خان" إضافة إلى أسواق أسبوعية محلية في بعض القرى الكبيرة كالحمام و"بلبل" ولكن بعد رسم الحدود السورية- التركية انتقلت الأسواق إلى مراكز جديدة.

ففي "عفرين" وبغية تأسيس سوق جديدة في المدينة التي تأسست حديثاً ونقل فعاليات سوقي "كلس" و"الحمام" إليها فقد أذاع الفرنسيون في ربيع العام 1927 خبر إقامة سوق أسبوعية كل يوم أربعاء ودعوا المواطنين للمشاركة في أول بازار.

يعتبر سوق "عفرين" الأسبوعي حالياً من الأسواق التجارية القديمة في ريف مدينة "حلب" وتعرض فيه مختلف المنتجات الزراعية المحلية والمستلزمات المنزلية المتنوعة ولا يزال ملتقىً أسبوعياً تجارياً هاماً لسكان وقرى المنطقة وصغار الباعة والتجار الذين يفدون من المناطق المجاورة».

  • "جمعة عبد القادر": خريج جامعة دمشق قسم اللغة العربية 1967 ينشر في الدوريات المحلية والعربية له كتاب "عفرين.. أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات في القرن العشرين".