يشكل "متحف الآثار السورية القديمة" بحلب قبلة للمئات من السياح والدارسين الذين يزورونه يومياً للدراسة والبحث والتمتع بمشاهدة جزء مهم من تاريخ سورية الشمالية.

موقع eAleppo جال في قاعات "متحف الآثار السورية القديمة" والتقى بعضا من زوّاره، السيد "أحمد أحمد" من حي "المشهد" قال: «عندما يدخل الزائر إلى هذا القسم يشعر بالفخر والاعتزاز لما صنعه وأبدعه أجداده في مختلف الميادين الاقتصادية والثقافية والاجتماعية ويتلمس بشكل مباشر مساهمتهم الفاعلة في بناء الحضارة البشرية.

تأسس المتحف الوطني بحلب في العام 1931م وكان الهدف من تأسيسه هو أن يضم المكتشفات الأثرية من المنطقة الشمالية من سورية والتي ضمت كل من "حماه" و"حلب" و"اللاذقية" و"ادلب" و"الحسكة" و"دير الزور"، وقد شكلت المكتشفات الأثرية في مواقع "تل حلف" و"تل أحمر" و"تل براك" النواة الأولى للمتحف

في الحقيقة إنّ "متحف الآثار السورية القديمة" هو أهم قسم من أقسام المتحف الوطني بحلب لما يحتويه من تماثيل وأدوات ومكتشفات قيمة تشكل بمجملها عنصر جذب سياحياً في "حلب" وعموم القطر».

الدكتور يوسف كنجو

السيد "لقمان سليمان" من أبناء مدينة "عفرين" وأحد زائري المتحف قال: «هذه أول مرة أزور فيها متحف "حلب" الوطني لأنني كنت أعمل في لبنان، واليوم تجولت في كل أقسامه ومن ضمنها قسم الآثار السورية القديمة الذي يعد من أغنى الأقسام باللقى والمكتشفات العائدة إلى مختلف العصور التاريخية لسورية.

إضافةً إلى كل هذه الكنوز الأثرية المعروضة فقد أعجبتني طريقة عرض القطع في المتحف والتي تسهّل على الزائر مهما كانت درجته الثقافية عادية من قراءتها وفهمها والتمتع بها».

الأستاذ أحمد عثمان

الدكتور "يوسف كنجو" رئيس شعبة التنقيب في مديرية آثار ومتاحف "حلب" حدثنا عن تأسيس المتحف بالقول: «تأسس المتحف الوطني بحلب في العام 1931م وكان الهدف من تأسيسه هو أن يضم المكتشفات الأثرية من المنطقة الشمالية من سورية والتي ضمت كل من "حماه" و"حلب" و"اللاذقية" و"ادلب" و"الحسكة" و"دير الزور"، وقد شكلت المكتشفات الأثرية في مواقع "تل حلف" و"تل أحمر" و"تل براك" النواة الأولى للمتحف».

وحول أقسام المتحف الوطني قال: «يتألف المتحف بشكل من خمسة أقسام هي: قسم عصور ما قبل التاريخ وقسم الآثار السورية القديمة وقسم الآثار الكلاسيكية وقسم الآثار الإسلامية والقسم الخاص بالفن الحديث، وهناك قسم خاص بآثار حوض الفرات وسد تشرين بالإضافة إلى قاعة لعرض لوحات موزاييك، أما في حديقة المتحف فتعرض مجموعة من اللقى والمكتشفات الأثرية المختلفة».

تمثال ايتشوب أيلوم - من أبرز المعروضات في المتحف

كما التقينا الأستاذ "أحمد عثمان" أمين "متحف الآثار السورية القديمة" والذي عرّفنا بأقسامه قائلاً: «يتألف متحف أو قسم الآثار السورية القديمة من ثلاثة أجنحة كل جناح يضم عدة قاعات صغيرة وقد خُصصت كل قاعة لمكتشفات موقع بذاته، أما طريقة العرض التي اُتبعت في عرض القطع الأثرية فهي طريقة التسلسل الزمني مع الحفاظ قدر الإمكان على المناطق الجغرافية وبتنقيبات كل بعثة على حدة وفي بعض الأحيان عُرضت القطع التي تجمعها رابطة المادة أو الوظيفة كمجموعة واحدة وقد تم عرض القطع بأسلوب شيق يجذب العالم والسائح والهاوي وزُودت كل خزانة بشروح باللغتين العربية والانكليزية.

الجناح الأول وهو "جناح مملكة ماري" ويضم أربعة قاعات هي: "قاعة تل براك وشاغر بازار" ومن أهم معروضاتها: إفريز مذهّب ومطعّم بالحجارة الثمينة كان يزين الطرف العلوي لمنصة المعبد الرمادي ويعود إلى 3100 ق.م، الزهور الحجرية التي كانت تزين معبد العيون، الختم المسطح وهو أقدم أنواع الأختام وكان يُصنع على هيئة حيوان غزال أو دب أو طائر ويعود للعام 3100 ق.م، دمى /مشخّصات/ من الألباستر على شكل العيون من معبد العيون وتُستعمل تمائم /تعاويذ/ لدفع الحسد والشر وتعود إلى بداية الألف الثالثة ق.م، نماذج من فخاريات "حلف" و"العبيد" من الجزيرة السورية وتعود للألف الخامسة قبل الميلاد.

"قاعة مملكة ماري" / "تل الحرير"/ ومن أبرز معروضاتها: تماثيل المتعبدين "لمجي ماري" 2600 -2350 ق.م، "ايتشوب أيلوم" الألف الثاني ق.م، تمثال الأسد البرونزي، ربة الينبوع الألف الثاني ق.م، تمثال العاشقين، قوالب لصنع الخبز والمعجنات تعود إلى 1900 -1800 ق.م، وأرشيف "ماري" الذي يضم حوالي 25 ألف رقيم مسماري يشمل جميع جوانب الحياة اليومية.

"قاعة حماة" وأبرز معروضاتها: حلي منوعة كالعقود والخواتم وتعود إلى نهاية الألف الثاني ق.م، أختام مسطحة تعود للألف الثاني ق.م، كسر فخارية عليها طبعات أختام، ودمى طينية آدمية وحيوانية تعود إلى ما بين منتصف الألف الثالثة وبداية الألف الثاني ق.م.

وأخيراً "قاعة رأس شمرة" /"أوغاريت"/ ومن أهم معروضاتها: طاسة ذهبية عليها شاهد من الميثولوجيا السورية تعود إلى ما بين 1450 -1365 ق.م وفأس برونزي منزّل بالذهب يعود للفترة ما بين القرنين 14 -13 ق.م، ومجموعة من التماثيل البرونزية للآلهة والرقم المسمارية التي تغطي مختلف جوانب الحياة ومجموعة من أوزان حجرية ومعدنية تعود إلى منتصف الألف الثاني ق.م وقطع فخارية مستوردة ومصنوعة محلياً تعود للألف الثاني ق.م، إلى جانب أوان من الألباستر وكسرة عليها اسم "رمسيس الثاني" تعود إلى الفترة ما بين القرنين 15 -14 ق.م وأدوات عاجية وعناصر تزيينية وعلب عاجية لها رأس بطة يُعتقد أنها كانت تُستعمل لحفظ أدوات الزينة وهي ذات تأثيرات إيجية تعود إلى للألف الثاني ق.م وأسلحة وأدوات برونزية تعود للألف الثاني ق.م».

وأضاف الأستاذ "أحمد عثمان" قائلاً: «الجناح الثاني هو "جناح تل حلف" ويضم ثلاث قاعات هي: "قاعة تل حلف" وأبرز معروضاتها: منحوتة بازلتية تمثل كائنين مركبين من إنسان وثور يحملان قرص الشمس المجنحة ورجل بوضعية الركوع تعود إلى أوائل الألف الأول ق.م، تمثال الإلهة عشتار ويعود إلى الألف الأول ق.م وعدد من لوحات حجرية كانت تغطي الجزء السفلي من جدران القصر ولوحة حجرية عليها مشهد الصيد البري ومنحوتة الرجل- الطائر- العقرب مهمتها حراسة البوابة وتعود إلى الألف الأول ق.م.

"قاعة أرسلان طاش" /"حداتو"/ واهم معروضاتها: قطع عاجية متنوعة تمثل مواضيع مختلفة تظهر فيها تأثيرات مصرية وإيجية وسورية تزين سرير الملك الآرامي "ابن حدد بن حزاقيل الدمشقي" وتعود للقرن السابع ق.م، وهناك قاعة "تل أحمر" /"تل برسيب"/ وتضم لوحات رسوم جدارية وجدت في القصر الملكي ونصبان كبيران يمثلان الملك الآشوري "أسر حدون" منتصباً ولوحة عليها كتابة مؤلفة من 47 سطراً تروي انتصارات الملك الآشوري "شلمناصر".

أما الجناح الثالث فيضم مجموعة من قطع أثرية من مواقع متعددة مثل "تل بويض" و"تل كشكشوك" و"تل مرديخ" و"الأنصاري" و"تل خويرة" وتل "عين دارا".

أبرز معروضات "تل عين دارا" هي لوحة حملت صورة للربة عشتار المحاربة بالإضافة إلى رأس بازلتي لامرأة، ومن "تل مرديخ" /"إيبلا"/ عُرضت أجزاء من منحوتات خشبية منزّلة بالصدف وجدت بالقرب الملكي /ج/ وتعود للفترة ما بين 2400 -2250 ق.م وقالب لصب فأس يعود للفترة ما بين القرنين 18 -17 ق.م وقطعة من المرمر تحمل كتابات هيروغليفية تحمل اسم الفرعون "ببي الأول" عثر عليها في القصر الملكي /ج/ وتعود للفترة ما بين 2300 -2270 ق.م، إضافة إلى مجموعة من اللقى الفخارية والبرونزية تعود إلى 2400 -1600 ق.م وهي من موقع "الأنصاري".

الجناح الرابع والأخير هو "جناح حوض الفرات" ويضم مجموعة خزن يعرض فيها نتائج أعمال التنقيب في منطقة "حوض الفرات" وذلك خلال حملة الإنقاذ الدولية التي تمت بالتعاون بين سورية ومنظمة اليونسكو لحفظ التراث العالمي بين أعوام 1963 -1973م، لعرض القطع في هذا الجناح اُعتمد أسلوب قائم على أساس الموقع حيث خصص لكل نوع خزانة أو أكثر حسب كميات اللقى مع مراعاة التسلسل الزمني في توزيع القطع المعروضة ضمن الخزانة الواحدة».

وختم: «لمتحف الآثار السورية القديمة أهمية كبيرة فهو يغطي فترة طويلة من تاريخ بلدنا الضارب في أعماق التاريخ ويضم مكتشفات أثرية تعود إلى عصور مختلفة تمتد من الفترة النطوفية /الألف التاسع ق.م/ وحتى نهاية العصر الكلاسيكي، وبالتالي فإنّ المتحف يساهم بشكل كبير في تنشيط الحركة السياحية والثقافية في "حلب"».