إنّ التداوي بالمياه المعدنية (الكبريتية) أمر مألوف وشائع في بلدنا, وهو حقيقة علمية وطبية بحسب الأطباء والمختصين في هذا المجال, وليس أمراً خرافياً أو تجارياً هدفه المال والربح كما يعتقد البعض, فهناك أمراض جلدية كثيرة وشائعة لا تتطلب سوى زيارة هذه الينابيع والتطبب فيها للعلاج.

تنتشر في بلدنا مجموعة من تلك الينابيع والحمامات كحمامات الشيخ عيسى في ادلب وجباب في درعا والشفاه في حلب– منطقة عفرين, حيث يؤمّها المئات من الزوار من مرضى وأصحاب العلل الجلدية, وفي مختلف فصول السنة, بحثاً عن الشفاء و العلاج.

إلى الغرب من مدينة جنديرس (حوالي 10 كم) تقع قرية جميلة اسمها الحمّام, تمر بالقرب منها الحدود الدولية السورية– التركية, توجد فيها حمامات معدنية (كبريتية) يملكها السيد أبو حيدر وأولاده تسمى (حمامات الشفاء).

منظر عام للحمامات

وبغية التعرّف أكثر على هذا الموقع السياحي والطبي قمنا مؤخراً بزيارته.

في الجهة الشمالية وعلى بعد (1)كم تقريباً من القرية, وفي سفح جبل بيرقدار المغطى بغابات كثيفة من أشجار الصنوبر والزيتون, توجد الحمامات في إطلالة رائعة على قرية الحمّام الجميلة وعلى الأراضي التركية التي لا تبعد سوى بضعة مئات من الأمتار عن الموقع.

مقصف الحمامات

يتألف المبنى من طابقين يتألف الأرضي من عدة أقسام لخدمة المرضى والمصطافين, ففيه مسبح, و12 غرفة بخارية للمعالجة, ومطعم, كما يوجد صالة مفتوحة لإقامة الأعراس والمناسبات الأخرى, أما الطابق الثاني ففيه مطعم ومقصف للعائلات تحيط به أشجار الزيتون من الأطراف.

رافقنا الأستاذ شيرو (وهو أحد أبناء صاحب الحمامات) داخل المبنى ليشرح لنا وظيفة كل قسم وطريقة عمله, فبدأنا من منبع ومصدر المياه حيث قال:

المسبح

في الجانب التركي حيث الأرض منخفضة تنبع المياه المعدنية وتسير على سطح الأرض, ولكن في جانبنا (يقصد الطرف السوري) فقد احتجنا إلى الحفر بعمق حوالي الستين متراً للوصول إلى الطبقة البركانية حيث المياه الكبريتية الساخنة, لتقوم مضختان بضخ حوالي (700) لتر من تلك المياه في الدقيقة إلى الغرف المخصصة للمعالجة والمسبح, إنّ درجة حرارة المياه عند البئر هي حوالي (50) درجة وتنزل إلى (41) درجة بعد وصولها إلى الحمامات.

وعن أهم الأمراض الجلدية التي تُعالج فيها قال:

هناك الكثير من الأمراض الجلدية وغيرها مثل" الأكزيما– الصدف- الفطريات- حب الشباب الروماتيزم– حبة السنة- منع تقلص الشعر وشد الوجه".

وسألته ما إذا كان المرضى يأتون إلى الحمامات بمبادرة ذاتية أم بموجب وصفات طبية؟

أجاب مبتسماً وقد عرف ماذا أقصد:

كل الذين يعالجون هنا يأتون بموجب نصائح ووصفات طبية نظامية ومن أكبر الأطباء في حلب, لدينا الآن أكثر من مئتي مريض يداومون بشكل يومي من مناطق مختلفة من القطر.

و سألته عن السياح؟

أجاب قائلاً:

يأتينا الكثير من السياح العرب والأجانب للاستجمام والمعالجة والسباحة في المياه الساخنة, وخاصةً من روسيا الذين يأتون على شكل مجموعات سياحية, وأضاف: نحن الآن بانتظار تخصيص قرض من البنك لنا لبناء فندق سياحي يبيت فيه المرضى المداومون والسياح.

وعن المعالجة الطبيّة فيها حدّثنا الأستاذ "شيرو":

قبل أن يدخل المريض إلى الغرفة البخارية يتم تعقيمها بشكل جيد, ويجب أن يبقى فيها مدةً لا تقل عن نصف ساعة كحد أدنى وتصل إلى الساعتين أو ثلاثة ساعات كحد أقصى وذلك بحسب قدرته على التحمل وتوصيات طبيبة.

كما أنّ قدم حالته المرضية ونوعه يحدد عدد مرات زيارته للحمامات والمدد الزمنية اللازمة لبقائه داخل الغرفة البخارية في كل مرة.

نتمنى للمرضى الشفاء العاجل وللمصطافين قضاء أجمل الأوقات في ربوعنا, هي الكلمات الأخيرة التي قالها "شيرو" مبتسماً ونحن نودعه عند الباب الخارجي للحمامات.

موقع طبي وسياحي صغير, لكنه قادر على جذب السياح إلى أرض الوطن من البلدان العربية والأجنبية, ليساهم بقدر ما يستطيع في دعم الاقتصاد الوطني, وبقدر ما يستطيع في نقل صورة مشرقة عن كرم السوري وأصالته وحبه لوطنه وتراب وطنه إلى كل أنحاء العالم.