تتميز الأواني الفخارية بقيمتها وجودتها وجمالها فضلاً عن تنوع أشكالها وتعدد استخداماتها المنزلية في الطهي والشراب وحتى تحويلها للزينة في الزوايا والحدائق والمعارض، لما تتميز به من جاذبية وكذلك خصوصية وسهولة التعامل بها وتفردها عن الزجاج والبلاستيك والخشب.

ملف صوت:

مقال مهم:

الملخص: تتميز الأواني الفخارية بقيمتها وجودتها وجمالها فضلاً عن تنوع أشكالها وتعدد استخداماتها المنزلية في الطهي والشراب وحتى تحويلها للزينة في الزوايا والحدائق والمعارض، لما تتميز به من جاذبية وكذلك خصوصية وسهولة التعامل بها وتفردها عن الزجاج والبلاستيك والخشب.

أنا ابن ريف وأعرف تماماً قيمة وفوائد وجمال الأواني الفخارية في الطعام والشراب ولما لها من خصوصية في حياتنا، وأذكر تماماً أنه منذ القدم كان كل منزل يحوي (خابية) لحفظ برودة الماء، كما أن العديد من البيوت الريفية في بلداتنا لا تزال تحرص على استعمال الأواني الفخارية في الطعام والشراب بشكل منتظم وتفضله على كافة الأوعية الأخرى

مدوّنة وطن "eSyria" زارت محل الفخار للحرفي "بكري كركوش" في "حلب"، وشاهدت ما يحتويه من مصنوعات فخارية متنوعة، صُنعت ونقرشت وزخرفت وحفرت بطريقة يدوية جميلة تدل على المهارة والإبداع للحرفي الماهر الذي ورث هذه الصنعة البديعة عن أجداده، وشرح مراحل التصنيع من بدايته حتى وصول المنتج للبيع والتصدير للسوق المحلية والعربية والعالمية.

أوانٍ فخارية مطلية بمادة الكليز

أولاً بأول

جرة ماء فخارية من الحجم الكبير

يقول "كركوش": «عائلتنا مشهورة منذ القدم بصناعة الفخار السوري الحلبي وقمنا بالمحافظة على هذا التراث واستمراره خشية اندثاره وإهماله، وكانت لدينا فيما سبق (فاخورة) ما بين مدينتي "كلس" التركية، وحي "المشارقة" الحلبي، وتوارثنا هذه المهنة ونقلها كل جيل من عائلتنا للجيل اللاحق بكل سلاسة وأمانة، مع القيام بتحديث المهنة وعمل وإضافات مهنية عليها، مضيفاً: إنّ المهنة مرتبطة بجودة وتوفر الرمل الغضاري وهو مؤلف من ثلاثة أنواع مصدرها من "حمص" قرية "تياس" قرب "تدمر" ومنطقة "وادي بردى" قرب "دمشق" ومن "مسكنة" شرق "حلب"، وتتم صناعة الفخار وفق مقادير تبدأ بتصويل الرمل بالماء وتنشيفه لمدة أسبوع حيث يصبح لدينا بعدها عجينة الفخار الجاهزة التي يتم حرقها بالفرن يتبعها التنشيف لمدة أسبوع حتى تقوى وتتماسك القطع ومن ثم وضعها على الدولاب مثل وضع الأذنين ورسم النقوشات والحريات، وتحتاج بعدها لمدة زمنية أخرى مقدارها ثماني ساعات لتنشيفها حتى تتجانس مع وجود درجة حرارة تصل لتسعمئة درجة أثناء الشوي وألف ومئة درجة عند وضع مادة الدهن (كليز) على الفخار وهي مادة خليط من الرمل والأكسيد.

زخارف متنوعة

أما أهم أنواع الفخار يشير "كركوش" إلى تلك التي تتمثل بالجرار الشرقية (اليوناني والفنيقي) وبأحجام كبيرة ومتنوعة والمطمورات وكباسات (المحشي) وأباريق الماء والشاي والطناجر المختلفة للفروج واللحومات وركوات القهوة والصحون والكاسات بعدة أحجام والشلالات والمزهريات وأحواض الزرع والمسمكات وجرار الزيت».

نوعان من الطناجر الفخارية

وللفخار فوائد صحية عديدة ومتنوعة أهمها -حسب الحرفي كركوش- المحافظة على قلوية الماء وإعادة الطاقة والشوارد الكيميائية ومحافظته على التبريد الطبيعي وامتصاص الشوائب والكلس، وما تزال حتى الآن للفخار قيمته بكثرة الطلب عليه من العوائل لفوائده الصحية العديدة وأهميته وجودته وجمال منظره في المطابخ والمنازل وتهافت المطاعم على طلبه بكثرة، وكذلك الفنانين للرسم والزخرفة والنقوشات والتلوين عليه.

تداعيات الحرب

وعن المحافظة على المهنة وآثار الأزمة التي انقضت عليها قال "كركوش": «كنا قبل الحرب الأخيرة على بلادنا ثلاث عشرة عائلة من آل "كركوش" في مدينة "حلب" نعمل بهذه المهنة ونغطي كل متطلبات السوق المحلية، حتى إن منتجاتنا كانت تصل إلى "العراق"، "لبنان"، " الأردن"، "إيران"، "اليونان" و"ألمانيا".. لكن ومع تداعيات الأزمة وفقدان المواد الأولية وغلائها -يقول الحرفي-: «بقيت وحيداً أعمل بها فالبعض من أقربائي هاجر أو أغلق محله أو غير مهنته لمهنة أخرى نتيجة غلاء وعدم توفر المواد الأولية من رمل ومحروقات وصعوبة نقلها.. وأثناء الأزمة تضرر معملي بحي "الشيخ سعيد" بشكل كامل وكذلك محلي بشارع "بارون"، وقمت بنقل جزء من منتوجاتي لمنزلي وبعدها أغلقت المحل لمدة أربع سنوات، وروّجت أنا وابني الطالب الجامعي لبضائعي على عربة عادية متنقلاُ بين أحياء المدينة في سبيل المحافظة على جمال وتراث هذه المهنة وبغية توفير مصدر دخل ورزق لعائلتي».

أعمال حاضرة

بدوره يقول الفنان التشكيلي خلدون الأحمد: «يستهويني ويجذبني الرسم والعمل والتلوين على الفخار لسهولته وجماله وتوفره بأشكال وأحجام متنوعة وبعض أعمالي ومشاركاتي الفنية في المعارض طابعها الشغل على الفخار، ويساعدني الفخار في إبراز جمال وشكل الحرف العربي الذي أختص به، وبالزخرفات الشرقية وبفرض الإيقاعات اللونية ويضيف جمالاً تشكيلياً لا مثيل له، وكافة الأعمال الفخارية في المعارض لها وقعها وتجذب وتشد المتابعين».

ويقول المحامي "حسن الأش": «أنا ابن ريف وأعرف تماماً قيمة وفوائد وجمال الأواني الفخارية في الطعام والشراب ولما لها من خصوصية في حياتنا، وأذكر تماماً أنه منذ القدم كان كل منزل يحوي (خابية) لحفظ برودة الماء، كما أن العديد من البيوت الريفية في بلداتنا لا تزال تحرص على استعمال الأواني الفخارية في الطعام والشراب بشكل منتظم وتفضله على كافة الأوعية الأخرى».

أما الزائر للمحل "أحمد الحاج ياسين" فقد أكد مع زوجته التي كانت برفقته أن كافة أدواتهم الحاضرة في مطبخهم والمعدة للطهي هي من مادة الفخار حصراً وأهمها طناجر الطبخ وأباريق الماء والكاسات و(لقن) الكبة لما قرأ وسمع عنها من فوائد صحية وطبية، إضافة لإعطاء النكهة والجودة للطعام والشراب معاً، ويمكن الاستفادة من الفخار في جمال تكوين المزهريات وأحواض الزينة.

جرى اللقاء والتصوير بمحل الحرفي "بكري كركوش" بحي شارع "بارون" بتاريخ الثامن عشر من شهر أيار لعام 2021.

بقي أن نذكر أنّ الحرفي "بكري كركوش" هو من مواليد "حلب" لعام 1976.