إن ما دعا إلى الخوض في غمار الحركة التشكيلية بـ "حلب" ذلك الجمود الذي أصابها منذ الفترة الأخيرة، مما دفع بالفنانين التشكيليين في "حلب" إلى البحث عن أسباب الركود وكيفية تفعيلها، وما عوامل تحفيز الفنانين للمضي قدماً في تنشيط الحركة الفنية التشكيلية بشكل عام.

وحول هذا الأمر حاور موقع eAleppo العديد من الفنانين وكانت البداية مع الفنان والناقد التشكيلي "طاهر البني" محدثاً عن الأسباب التي أدت إلى ركود الحركة الفنية قائلاً : «إن معرض ملتقى اللوحة الصغيرة الذي افتتح منذ أيام جاء في الوقت المناسب لتحريك الركود الفني التشكيلي التي أصيبت به الحركة التشكيلية في "حلب" والتي استمرت لفترة طويلة، فمن خلال هذا المعرض جمع العديد من الدارسين للفن والمهتمين والهواة وضم أكثر من سبعين فناناً، بحيث جاءت النتاجات الفنية متباينة بين أعمال جيدة ومتطورة ورؤى خاصة وعامة، لكن المهم في ذلك هو دفع الحركة الفنية نحو الأمام ومناقشة أسباب ركودها، وتقييم الجوانب السلبية والإيجابية فيها وتقديم الرعاية لجميع الفنانين من خلال تخصيص أماكن للفنانين وتقديم كل ما يلزم من إمكانيات وطاقات تساعد الفنان على الإبداع في أي زمان أو مكان».

صحيح إن الحكومة قد أمّنت صالات عرض مجانية من أجل عرض لوحات الفنان لكن الأهم هو الاهتمام بالفنان المتفرغ الذي يستطيع أن يقدم كل ما لديه من فنون وإبداعات لكونه لا يشغله إلا نتاجات الفن نفسها

إن إقامة الندوات والمعارض ليس هو السبيل الوحيد من أجل تحفيز الفنان على العطاء وإنما يجب أن يكون هناك عوامل أخرى تدفع الفنان نحو الظهور وحول هذا أضاف "البني" قائلاً: «إن ما ينقص الفنان هو التقرّب من الجمهور وتقرّب الجمهور منه وفهم لوحته وتذوق القيم الفنية، لأن الفنان حينما يقوم بزرع القيم الجمالية في نفوس الناس يمكن أن يساهم في تقبّل الآخرين لنتاجاته الفنية، وهذا يقع على دور الإعلام في تعميم التجارب الفنية المضيئة والعمل على الانتقاء للفن الصادق والجيد».

الناقد "طاهر البني"

الفنان "بشار برازي" يقدم العديد من الأفكار التي تساهم في تفعيل الحركة الفنية في المحافظة وعنها يحدثنا قائلاً: «إن ما يمكن أن يساهم في تحريك الحركة الفنية بشكل عام هو تقديم الدعم المستمر من قبل الجهات المعنية من خلال تبني العمل نفسه والعمل على إشراك الجهات الأخرى كالمؤسسات والشركات والجمعيات للمساهمة على اقتناء اللوحات مما ينعكس إيجابا على تحريك اللوحة التشكيلية وبشكل عام».

وأضاف: «صحيح إن الحكومة قد أمّنت صالات عرض مجانية من أجل عرض لوحات الفنان لكن الأهم هو الاهتمام بالفنان المتفرغ الذي يستطيع أن يقدم كل ما لديه من فنون وإبداعات لكونه لا يشغله إلا نتاجات الفن نفسها».

الفنان الضوئي "نوح حمامي"

لكنه وفي الوقت نفسه شدد على ضرورة تبني العديد من الفنانين النحاتين والعمل على الاستفادة من خبراتهم النحتية حينما قال "برازي": «يجب أن يكون هناك رعاية من قبل لجنة النصب العليا للنحاتين من خلال تشكيل فريق عمل واحد يضم إلى جانب المهندسين العديد من النحاتين وأن يكون لهم الدور الفاعل على إنشاء مراكز ونصب نحتية تعبر عن أصالة الفن مما يساهم في إثراء الحركة النحتية بـ "حلب"».

وعن الخطوات الأولية التي تساهم في تحريك الفن بشكل عام أجاب "برازي": «يتم هذا من خلال مشاركة جميع الفنانين وبغض النظر إن كان الفنان مبتدءاً أو متقدماً المهم أن يكون هناك تبادل للآراء والتجارب وإثبات الإمكانيات والعمل الجاد والأهم من ذلك تقديم الآخر والتقليل من الأنا الشخصي لكي يتم الاستفادة وبقدر الإمكان من أي تجربة في حقل العمل الفني».

"عهد القطان"

لكن الفنانين الضوئيين لم يكن حالهم أفضل من حال الفنانين التشكيلين عندما جمدت الحركة التصويرية وحول أسباب ذلك كان لقائنا مع الفنان الضوئي "نوح حمامي" الذي حدثنا عن واقع حركة فن التصوير في "حلب" فيقول: «إن المعاناة التي يتعرض إليها الفنانين الضوئيين ليست عائدة إلى قلة الإمكانيات لأنه ومن المتعارف عليه يمكن استخراج العديد واللامتناهي من الصور الأرشيفية التي يمكن نشرها وبيعها لكن تحديد عدد الصور المميزة هو الذي قيّد الفنان الضوئي ومن هذا المنطلق يمكن أن يتم استخراج من فيلمين أو ثلاثة أفلام صورتين أو ثلاثة صور فقط وهذا مما يفقد أو يضيع على الفنان الجهد والتعب الذي بذله في تصوير الكم الهائل من الصور».

لكن ورغم الأوضاع المتأخرة التي أحاطت بالفن بشكل عام إلا أن العديد من الفنانين الضوئيين ما يزالوا مستمرين في العطاء وحول هذا أجاب "حمامي": «لقد اعتمدوا على اقتطاع جزء من مواردهم الشخصية، وما نلحظه في هذه الأيام من نشاط للفن الضوئي إنما هو عائد لعدد من الهواة وما يجب علينا هو أن نميز بين الهواة و الفنانين فلا يجوز اعتبار نجاح بعض اللقطات من قبل بعض الهواة على أنهم فنانين ضوئيين لأن العمل الضوئي له قواعده وأصوله المهنية».

ومع هذا فإن للنقابة العديد من المشاريع المستقبلية التي يمكن أن تقدم الدعم للفنانين وهذا ما حدثتنا به "عهد القطان" أمينة سر اتحاد الفنانين التشكيلين بـ "حلب" حول دور النقابة في المساهمة من أجل تنشيط هذا الدور قالت: «إن للنقابة دور هام وفعال في تنشيط أي حركة فنية فهي تعتبر الجهة الرسمية ويقع على عاتقها جميع الخطوات التي تؤدي إلى الارتقاء بالحركة التشكيلية مع الاحتفاظ بالدور الكبير الذي تقدمه صالات العرض الخاصة من أجل دعم الفنان وتشجيعه، لكن ما يقع على عاتق النقابة وبشكل عملي أن تعمل على استيعاب أكبر عدد ممكن من الفنانين التشكيليين وإرجاعهم إلى الساحة إن كانوا بعيدين وتقديم الدعم لهم من أجل إظهارهم على الساحة الفنية، والعمل على الدمج بين المواهب الفنية الجديدة والخبرات القديمة ليكون هناك نتاجاً فنياً مثمراً وخليطاً بين جميع الفنانين».

لكن الحركة الاقتصادية ألقت بظلالها على الساحة الفنية بشكل عام وحالت دون تطور الفنان وحول هذا تحدثت "القطان" قائلة: «مما انعكس سلباً على جهد الفنان ذاته وحال دون تطور الإبداع عنده، مما أدى إلى التفات الفنان إلى جوانب أخرى والعمل على تأمين مستلزمات الحياة الاجتماعية وهذا الأمر وغيره أدى إلى الركود وبشكل عام في الحركة الفنية التشكيلية في "حلب"، لكن ورغم تلك الأوضاع والظروف المحيطة إلا أن هناك بعض الفنانين الذين احتفظوا بتلك الموهبة ولا يزالوا يعملون في المجال الفني دون الاكتراث بالوضع الاقتصادي».

هناك من الأمور الهامة التي يجب على النقابة أن تفعله من أجل دفع الفنان وإعطاءه المزيد من التقدم وحول هذا تحدثت "القطان" قائلة: «فمع بداية العام الجديد قرّرت النقابة إصدار العديد من القوانين التي تضمن استمرارية الفن ومستقبل الفنان ذاته من خلال الدعم الصحي والضمان التقاعدي لكي لا ينشغل الفنان بهاجس التفكير بمستقبله وان يكون تفكيره محصوراً ضمن إطار واحداً ألا وهو الإبداع والعمل على تأمين الراحة النفسية له، إضافة لذلك سيكون هناك إمكانية لبيع لوحات الفنان بنفس الصالة، قديما كان دور الصالة بنقابة الفنانين مقتصراً على العرض فقط وإنما أصبح الآن هناك إمكانية لبيع اللوحات وهذا مما يساهم في تقديم جزءاً من الدعم المادي، وسيقام على خلفية كل معرض نقاشاً مفتوحاً نناقش فيه أوضاع المعرض من خلال دعوة كافة فئات وشرائح المجتمع كافة لكي يكون هناك تفاعل بين أطياف المجتمع عامة، ومؤخراً تم العمل على التعاون مع باقي النقابات الأخرى كنقابة المحامين ونقابة الأطباء على تبني عمل الفنانين وهناك تعاون آخر مع النقابات الفنية في المحافظات الأخرى من خلال عرض لوحاتهم في المعرض الذي أقيم مؤخراً حينما شارك فيه فنانين من مدينة "اللاذقية" ومعرض آخر سوف يقام لفنانين "حمص"، وهذا مما يساهم في تفعيل التعاون مع جميع الفنانين السوريين».

مع الاحتفاظ بدور الإعلام في المساهمة في نشر الوعي الفني مما يترتب عليه العديد من الخطوات التشاركية التي تساهم في دفع عجلة الفن نحو التقدم وعن هذه الخطوات قالت "القطان" «مؤخراً كان هناك اهتمام إعلامي بالجانب التشكيلي من خلال البرامج الأسبوعية التي تقدم فيها الفنان ونتاجاته الفنية لكنني ما أرغبه من جانب الإعلام أن يكون هناك اهتمام بالفن التشكيلي وبالتوازي مع الحركات الفنية الأخرى وأن يتم التطرق للفنانين التشكيليين الموجودين في المحافظات الأخرى وعرض نتاجاتهم الفنية من خلال أجهزة الإعلام المحلية فمثلاً عندنا في "حلب" مركز إذاعي وتلفزيوني فلماذا لا يكون هناك برنامجاً يستضيف فيه فنان ويعرض على الشاشة اللوحات التي قدمها وألا يقتصر على تصوير الافتتاح والمقابلة السريعة له».

والجدير بالذكر بان الحركة التشكيلية في حلب قد شهدت نمواً بارزاً امتدت من الثلاثينيات وحتى التسعينيات من القرن المنصرم وبعد عام 2000 شهدت جموداً فنياً مما كان له الأثر السلبي على الحركة التشكيلية بشكل عام.