تتميز قرية "تورندة" في منطقة "عفرين" بنبعها الشهير وبمزارها التاريخي الذي يعد مركزاً احتفالياً وطقوسياً للناس على مرّ التاريخ، عمرها أكثر من 200 عام.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 10 تموز 2014 المعمّر "سيف الدين فرخو" من "عفرين"، الذي تحدث عن القرية وما يميزها ويقول: «تقع قرية "تورندة" في الجهة الجنوبية الشرقية من مدينة "عفرين" وتتبع لها، على الرغم من أنها قبل نحو 25 عاماً كانت قرية مستقلة عن المدينة، وتعد "تورندة" أقدم من مدينة "عفرين" الحديثة البناء إذ يعود تاريخها إلى ما بعد العام 1925، بينما موقع القرية قديم وذلك بدليل وجود مزار ديني لا يمكن أن يكون عمره أقل من 200 عام، إضافة إلى وجود بعض الأحجار الكبيرة المستطيلة الشكل التي تدل على سكن بشري أقدم بكثير من المزار».

تقع قرية "تورندة" في الجهة الجنوبية الشرقية من مدينة "عفرين" وتتبع لها، على الرغم من أنها قبل نحو 25 عاماً كانت قرية مستقلة عن المدينة، وتعد "تورندة" أقدم من مدينة "عفرين" الحديثة البناء إذ يعود تاريخها إلى ما بعد العام 1925، بينما موقع القرية قديم وذلك بدليل وجود مزار ديني لا يمكن أن يكون عمره أقل من 200 عام، إضافة إلى وجود بعض الأحجار الكبيرة المستطيلة الشكل التي تدل على سكن بشري أقدم بكثير من المزار

ويضيف: «إن موقع القرية القريب من نهر "عفرين" وفّر لها المياه اللازمة لقيام زراعة ناجحة لمختلف المحاصيل الزراعية وفي مقدمتها محصول البطاطا، فشهرة القرية بإنتاج هذا المحصول معروفة على مستوى محافظة "حلب" لكون مزارعوها هم أول من بدأ زراعة هذا الصنف قبل أن يعم عموم المنطقة، وهناك أقاويل شعبية متداولة حول تسمية القرية باسم "تورندة" فالكلمة مؤلفة من "تو" وتعني بالكردية "أنت"، و"رندة" تعني "الجميلة" أو "الحسنة"، ويقال إنه كان في القرية فتاة ذات حسن وجمال ما جعل الناس يطلقون على القرية "تورندة" أي "أنت جميلة" نسبة لتلك الفتاة، وهناك من يقول إن موقعها الجميل وتوسطها للأحراش الخضراء التي نمت حول نبعها أعطاها هذا الاسم، أي "المكان الجميل"».

مزار القرية

أما الدكتور "محمد عبدو علي" الباحث في تاريخ وتراث منطقة "عفرين" وهو من أهالي القرية، فيقول: «"تورندة" موقع مدينة قديمة تقع إلى الجنوب الغربي من "ملاطية" في "تركيا"، كانت مركزاً بيزنطياً مهماً سيطر عليه المسلمون في أوائل عهدهم وذلك في العام 38 هجرية 702 ميلادية، فهجرها أهلها في عهد الخليفة "عمر بن عبد العزيز" وربما يكون بعض سكان قرية "تورندة" الحالية أحفاداً لهؤلاء المهاجرين، كلمة "درندة" أو "ترندة" في اللغة الكردية تعني "المشرد" أو "المتوحش". إضافة إلى ذلك هناك شبه للاسم مع الأسماء السريانية إذا كتب على شكل "طورندة" أو "طرندة"؛ فكلمة "طور" تعني "الجبل"، كما أن "ند" هي لاحقة حثية للأسماء الجغرافية».

ويضيف: «"تورندة" اليوم قرية كبيرة يبلغ عدد سكانها 3330 نسمة، وتقع إلى الجنوب الغربي من مدينة "عفرين" بنحو 3كم، ضُمت إلى المخطط التنظيمي لمدينة "عفرين" في العام 2002، وموقعها سكني قديم حيث ظهرت في قمة رابيتها في موقع بيادر القرية خلال أعمال الحفر أحجار بناء ضخمة تدل على سكن قديم في موقع القرية، يعمل سكانها بالزراعة وهم أول من زرع محصول البطاطا واستعملوا الري بالرذاذ في المنطقة، وكان لشقيقي المهندس الزراعي "عبد الرحمن علي" الذي توفي عام 1985، دور كبير في زراعتها في القرية، كما يوجد على أطراف القرية مقلع ومناشر حجرية لمد المنطقة بحجارة البناء المختلفة».

جانب من القرية

يمر واديها العميق إلى الجنوب منها وكان في نهايته نبع ماء غزير باسم "نبع تورندة" ذكره المؤرخ "كزينفون" اليوناني في كتابه "رحلة العشرة آلاف" في العام 400 ق.م، ويقول: «القاطنون على ضفاف "نهر كالوس" (أي نهر عفرين) كانوا يقدسون الأسماك، وكان النهر مملوءاً بالأسماك الأليفة التي عدها السوريون آلهة لا يجيزون إيذائها، والمعروف أن الإيزيديين وهم سكان القرية حتى فترة غير بعيدة كانوا يحرمون اصطياد السمك وأكل لحمه، و"نبع تورندة" هو أحد الينابيع المجاورة لنهر "عفرين"، ومازلت أتذكر أن النبع كان مملوءاً بالأسماك دون أن يقوم أي شخص بقتلها أو اصطيادها، فالكبار والمعمرون كانوا يحذروننا من إيذائها لذا كنا نسمي نبعها "النبع المقدس"».

ويضيف: «بجانب موقع النبع يوجد مزار شهير باسم مزار "عبد القادر كيلاني" يزوره السكان المحليون للشفاء من بعض الأمراض والعلل كالعقم، كما كان الإيزيديون يقيمون بجواره مناسبة "الأربعاء الأحمر" فيذبحون بجانبه الذبائح ويقيمون بجواره الحفلات، وموقع القرية على مفترق ثلاثة طرق جعل لها حضوراً اجتماعياً مميزاً في حياة السكان المحليين، فإلى جانب المزار كانت هناك شجرة ضخمة وقد عمل سكان القرية تحتها مصطبة مربعة الشكل على شكل مضافة كان يتجمع فيها سكان القرية لقضاء أجمل أوقاتهم في أيام العطل الزراعية والموسمية، كما كانت المضافة تشكل استراحة للمسافرين عبر تلك الطرق الثلاثة، وقد كان سكان قرية "تورندة" المعروفون بالكرم يدعون المسافرين للجلوس والاستراحة وتناول الطعام لذا كانت تعج دائماً بالناس، قبل نحو 35 عاماً هبت عاصفة رياح قوية قلعت الشجرة وخربت المضافة، ولكن تلك الصور الجميلة ما زالت إلى اليوم عالقة بأذهان أهل المنطقة».

الدكتور محمد عبدو علي