تتبع ناحية "جنديرس" لمنطقة "عفرين" وتقع إلى الغرب منها بنحو 20 كم وتشير المصادر التاريخية إلى أنّ موقعها هو أحد الأماكن المأهولة القديمة بسبب وقوعها على الطريق الروماني القديم الذي كان يصل بين مدن "إنطاكية" و"النبي هوري" /"سيروس"/ و"الأناضول" وكذلك قرب موقعها من "نهر عفرين".

وكغيرها من المدن والمواقع الأثرية فإنّ تسمية المدينة بهذا الاسم هي مثار اختلاف وتباين بين الباحثين في التاريخ واللغات القديمة، وللتعرّف على البعض من هذه الآراء التقى موقع eAleppo الدكتور "محمد عبدو علي" الذي كتب العديد من الدراسات والكتب حول تاريخ وتراث منطقة "عفرين" والذي قال: «تؤكد الكثير من المصادر التاريخية القديمة الأهمية الكبيرة لبلدة "جنديرس" فقد كانت مهداً للرهبانيات في شمال سورية خلال القرون الأولى الميلادية كما يقول "بولس يتيم"، وأسس فيه أحد تلامذة مار "يوليانوس الرهاوي" "دير جنديرس" في أواخر حكم الإمبراطور "قسطنطين" 306 -337 م كما يقول الأستاذ "عبد الله حجار".

سميت "جنديرس" بهذا الاسم نسبة إلى ابنة أحد حكامها القدماء وكانت مدينة كبيرة جداً في غابر الأزمان، فقد كان بابها الشرقي يقع في موقع قرية "بابليت" الحالية والتي تبعد عنها حوالي 15 كم أما سجنها فكان في موقع قرية "زندة" الحالية وأصلها "زندان" وتبعد عنها حوالي 5 كم

وفي كتابه "الدر المنتخب" وصف "ابن شداد" مدينة "جنديرس" بما ينبئ عن موقعها وأهميتها السابقة حيث يقول بأنه في كورة "الجومة"* عيون كبريتية تجري إلى "الحمة"، و"الحمة" قرية يقال لها "حندارس" /"جندارس"/ لها بنيان عجيب معقود بالحجارة يأتيها الناس من كل الأماكن فيسبحون بها للعلل التي تصيبهم ولا يُدرى من أين يجيء ماؤها ولا أين يذهب.

التل الواقع بجوار المدينة

وذكر الجغرافي القديم "سترابون" اسم الموقع أثناء العصر الروماني- الهلنستي بشكل "جينداروس" وهناك من يعتقد بأنّ الموقع مطابق لموقع مدينة "كينالوا" عاصمة مملكة "أونكي باتن" الحثية في الألف الأول قبل الميلاد، حيث تذكر المصادر التاريخية أنه مر بها الإمبراطور الآشوري "آشور ناصر بعل الثاني" بجيشه في العام 876 قبل الميلاد حينما سار من "كركميش" /"جرابلس" حالياً/ إلى "عزازوم" /"إعزاز" حالياً/ وعبر "نهر عفرين" وقضى الليل على ضفته الغربية ووصل بعدها وبعد مسير يوم واحد إلى "كينالوا"».

ويضيف الدكتور "محمد عبدو علي" متحدثاً عن آراء المؤرخين وتباينها حول معنى اسم "جنديرس": «يقول المعجم الجغرافي السوري أنّ اسم "جنديرس" مركب من كلمتين "جند" وهو تقسيم عسكري إسلامي و"إيرس" وهو اسم قائد روماني وبذلك يكون الاسم "جند إيرس".

جانب من المدينة

وهناك رأي آخر يقول بأنه اسم الراهب "جنداروس"، وقد بني في الربع الأول من القرن الرابع للميلاد معبد في "جنديرس" تكريماً للراهب "جنداروس" وهو أقدم معبد في "إنطاكية".

أما الباحث "عبد الله حلو" فيقول بأنّ اسم "جنديرس" يرد في المصادر اليونانية بشكل Gindaros وفي السريانية بشكل "جَندَريوس"، وهنا تكمن الصعوبة في معرفة إن كان الاسم قديماً يلفظ بفتح أوله وفي هذه الحال فهو سيرجع إلى صيغة آرامية أقدم هي "جَندرا" بمعنى الكبرياء والخيلاء والاستعلاء مما يصح كمعنى مجازي لاسم قرية، غير أنّ الاسم في المصادر اليونانية بشكل Gindaros يعكس لنا لفظاً للاسم بكسر أوله كما هو في اللفظ العربي، والأصح أنّ اللفظ العربي للاسم تقليد للشكل اليوناني فقد يكون هذا إما لفظاً غير دقيق للشكل السرياني وإما لفظاً غير دقيق لاشتقاق آرامي آخر مضموم الأول وهو "جُندرا" الذي يعني عقبة صخرية وهذا احتمال ممكن أيضاً».

الدكتور محمد عبدو علي

«إلا أنه وكما هو معروف- والكلام هنا للدكتور "محمد عبدو علي"- فإنّ موقع "جنديرس" سهلي وذات تربة لحقية وليس فيها صخور أصلاً ولا أعتقد بأنّ موقعها في وسط السهل يشير إلى عقبة صخرية أو إلى الاستعلاء ولذلك أعتقد بأنّ الصيغة الآرامية مستبعدة.

هؤلاء الباحثون ذهبوا بعيداً حينما لم يسمعوا بالرواية الشعبية المحلية حول أصل اسم "جنديرس" والتي تقول بأن الاسم محلي كردي وله رواية مفادها أن أحد حكامها قديماً سخّر السكان لنقل التراب إلى التل الموجود بجوار البلدة وحدد لكل عائلة مقداراً منه فاستمر العمل الشاق لمدة طويلة حتى أرهق الناس وبث الخراب في أحوال سكان القرية وبسبب ذلك سميت "جان ديرس" والكلمة كردية تتألف من "جان" بمعنى الجسد أو الروح و"ديرس" أي الموت والخراب، و لا يزال يقال في مدينة "جنديرس" بأن العائلة الفلانية مديونة بكذا حمل من التراب».

وهناك رواية شعبية أخرى حدثنا بها السيد "خليل إبراهيم" 76 سنة حول اسم "جنديرس" قائلاً: «سمعت قصة كان يرددها الكبار دائماً ويتعلق باسم "جنديرس" فهو مركب من كلمتين "جيه" و"ديرسه" ومعناها بالكردية مكان الفناء أو الخراب، "جيه" هو المكان و"ديرسه" هو الفناء وبالتالي يكون الاسم مكان الفناء أو الخراب والسبب في ذلك أنّ مدينة "جنديرس" تطفو على البحر فأهلها حتى اليوم يحفرون الآبار باليد لبضعة أمتار حتى يصلوا للمياه وبالتالي فإن الموقع هو أول مكان سوف يفنى في حال حدوث هزة أرضية وبذلك يكون "مكان الفناء"».

ويقول "عبدو محمد" 81 سنة: «سميت "جنديرس" بهذا الاسم نسبة إلى ابنة أحد حكامها القدماء وكانت مدينة كبيرة جداً في غابر الأزمان، فقد كان بابها الشرقي يقع في موقع قرية "بابليت" الحالية والتي تبعد عنها حوالي 15 كم أما سجنها فكان في موقع قرية "زندة" الحالية وأصلها "زندان" وتبعد عنها حوالي 5 كم».

  • "الجومة": اسم سهل خصب تقع فيه مدينة "جنديرس".