تقع "مدرسة الفردوس" في "حي الفردوس" هذا الحي الذي برز من بين أحياء مدينة "حلب" القديمة بأنه حي ثقافي كان زاخراً بالحركة التعليمية والفكرية قبل سبعمئة وخمسين عاماً، وقد نشأ هذا الحي في القرن السادس الهجري وتطور بعد ذلك حيث نشأت فيه المساجد المدارس والربط والزوايا وذلك بسبب الجهد الذي بذله الحكام الأيوبيون ومن المعالم الشهيرة في الحي "مدرسة الفردوس".

تقول المهندسة "ياسمين مستت" مديرة قلعة حلب لموقع eAleppo: «أنشأت هذا المجمع الملكة "ضيفة خاتون" وجعلته مدرسة وتربة ورباطاً سنة 633 هجرية 1235 ميلادية ورتبت فيه خلقاً من القراء والفقهاء والصوفية وفيه زاوية لتدريس الحديث الشريف، وحدثت في المدرسة فيما بعد عدة إضافات وترميمات وتغييرات شملت أجزاء عديدة من المدرسة فقد أضيفت المئذنة زمن العثمانيين، وفي العام 1916 م تم استبدال باب المدرسة الخشبي القديم بباب آخر حديث وفي العام 1958م نُقلت المئذنة المثمنة القصيرة من أعلى الإيوان إلى مكان أكثر ثباتاً وفي العام 1965 م رُمّمت الأروقة المحيطة بالصحن وأُعيد بناء أعمدتها المتكسرة وصُب سقف الأروقة بالبيتون المسلح وفي العام 1989 م فُرشت أرضية القاعة الغربية بالبلاط الحجري الأصفر وتحوّل جزء من القاعة الشرقية إلى حجازية وميضأة وفي العام 1990 م جرت أعمال إكمال للمنشآت الملحقة في الشمال، وتم تسجيل "مدرسة الفردوس" في سجل الأبنية الأثرية والمواقع التاريخية في مدينة "حلب" بالقرار 157 / آ بتاريخ 31/12/1968م».

تعتبر "مدرسة الفردوس" من أكبر مدارس "حلب" أبعادها 55x 44 م وقامت ببنائها في ضاحية "حلب" الجنوبية "ضيفة خاتون" زوجة الملك "الظاهر غازي" أيام وصايتها على حفيدها "يوسف الثاني" 633 هجرية/ 1235ميلادية

وحول التكوين المعماري للمبنى تقول مديرة قلعة حلب: «يتميز هذا المبنى بأنه أول مجمع في العالم الإسلامي يضم بين أرجائه عدة أبنية بوظائف متعددة /جامع، مدرسة، تربة، رباط، زاوية/ ويتألف المجمع من ثلاثة كتل: الكتلة الرئيسية في الجنوب تتوسطها فسحة سماوية وتضم الجامع و القاعتين والإيوان الرئيسي، والكتلة في الشمال الشرقي وتضم إيوانين وأربع حجرات تتوسطها فسحة سماوية صغيرة، والكتلة في الشمال الغربي وتضم إيوانين وحجرتين وتتوسطها فسحة سماوية صغيرة ويتصل بالممرين على طرفي الإيوانين داران تقعان في الزاويتين الشمالية الغربية والشمالية الشرقية من البناء.

المئذنة

اعتمدت الفكرة الإنشائية للمجمع على الجدران الحمالة التي تربطها الجسور والنجفات الخشبية والتسقيف بالقباب والقبوات الحجرية، وبالنسبة للأقواس فقد استخدمت عدة أشكال للأقواس /المدبب والعاتق/ وفي الأعمدة ظهرت التيجان المقرنصة والتيجان المزخرفة بزخارف نباتية وهي حجرية، القباب حجرية وأخرى قرميدية وتنتقل القبة من الشكل الدائري إلى المضلع عن طريق مجموعتين من المقرنصات أو الزوايا المثلثية، النجفات الخشبية لها دور إنشائي هام إذ أنها تعمل كخوامد للزلازل وعناصر رابطة للجدران كما أنها تقوم بدور لتوزيع الحمولات، الجسور الخشبية لها دور إنشائي هام إذ أنها تعمل كخوامد للزلازل ووسادة تحت الأقواس لتوزيع الحمولات، الجدران حجرية من الحجارة الكلسية المنحوتة كبيرة الحجم بالأسفل تصغر بالأعلى تتراوح سماكة الجدران بين 100-200 سم في الطابق الأرضي و 50- 100سم في الطوابق العلوية».

وحول ملائمة البناء للبيئة قالت: «إنّ البناء مدروس بما يلاءم المناخ الجاف في مدينة "حلب" كونها من المناطق الداخلية وهنا نميز: تجمع فراغات المبنى حول فسحة سماوية تتوسطها بركة للماء /الجامع والملحقين/ وهذا يؤمن بيئة رطبة، الباحات الداخلية مبلطة باللونين الأبيض والأسود وهذا يؤمن التوازن الحراري، الجدران الحجرية السميكة تعمل على الحفاظ على درجات الحرارة الداخلية وتمنع التبادل الحراري السريع بين الداخل والخارج، أما التغطية بالقباب فتقلل من تعرض السطوح للشمس».

المحراب

وختمت بالقول: «للبناء أهمية كبيرة تاريخياً ومعمارياُ وفنياً وكذلك له دوره الثقافي الهام فقد كان عبر العصور منهلاُ أساسياً ومركزاً للبحوث و العلوم ويمكن إعادة دوره الهام بما يناسب العصر الحالي وذلك بتوظيفه كمركز بحوث للعلوم الدينية والفقهية فيلعب دوراً في التنمية المستدامة لأهل الحي ويكون مركز تنمية وإشعاع فكري لأهل المنطقة من خلال تقديم الدين وتطبيقاته بشكل معاصر يتناسب مع الوقت الحالي ويرسخ مبدأ احترام الأديان الأخرى من خلال وظيفته كمركز للبحث ومن خلال محاضرات التوعية والمناقشات وحلقات البحث والحوارات الموجهة لأهالي المنطقة وذلك باستخدام الطرق والأساليب الحديثة، ولا تكتمل عملية إعادة التأهيل إلا بتأهيل محيط البناء وذلك لإبراز معالم البناء وإظهار روعة بنائه والعمل على سهولة الوصول إلى المدرسة بالإضافة لتحسين المنطقة وتنظيفها وتنظيمها».

ويقول الباحث الأثري "عبد الله حجار": «تعتبر "مدرسة الفردوس" من أكبر مدارس "حلب" أبعادها 55x 44 م وقامت ببنائها في ضاحية "حلب" الجنوبية "ضيفة خاتون" زوجة الملك "الظاهر غازي" أيام وصايتها على حفيدها "يوسف الثاني" 633 هجرية/ 1235ميلادية».

مدخل المدرسة

ويضيف: «تتميز المدرسة بمحرابها الرائع بألوان أحجاره الرشيقة المتميزة وتيجان أعمدتها التي تزين بعضها أوراق النباتات الناعمة وبركتها المثمنة ذات الفصوص الداخلية والخاصة بالمباني الأيوبية ومئذنتها القصيرة وارتفاع أعمدة أروقتها المساوي للمسافة بين كل عمودين أي 4،35 متراً».

وحول ميزات عمارة "مدرسة الفردوس" تقول الباحثة الأثرية الدكتورة "لمياء الجاسر": «من حيث التصميم ضمت "مدرسة الفردوس" جميع عناصر المدرسة الأساسية ففيها 6 أواوين و3 باحات استخدم التناظر في تخطيطيها والمقاسات الكبيرة في تصميمها، دهليز المدخل منكسر /الباشورة/ على نحو سمح بوضع الإيوان امام القبلية، وبالنسبة للإنشاء فقد استخدم فيها القبو المتطاول /الأواوين، دهليز المدخل، الممرات/ وتضم 11 قبة هي مدببة حجرية /القبلية/ أما باقي القباب فقرميدية مدببة /القبلية والقاعات/ ويتم الانتقال من الشكل المربع إلى المضلع بالمقرنصات أو بالمثلثين الهرميين المشطوبين المقلوبين أما الانتقال من الشكل المربع إلى الشكل الدائري فيتم بالمثلثات الأفقية المستديرة الحافة، كما استعمل في إنشائها القوس المدبب /الأروقة القبلية القاعات الأواوين المدخل/ والقوس العاتق المثلثي /الإيوان والقاعات/ والمفصص والنجفة المستقيمة /المدخل/ والعقد الثلاثي /القبلية والرواق/.

وبالنسبة للزخرفة فقد استعملت في المدرسة ألواح رخامية متشابكة /المحراب/ ونصوص كتابية /الواجهة الشرقية الخارجية والإيوان والأروقة والمحراب والمدخل/ والمقرنصات /المدخل والأعمدة والقبلية/ وزخارف نباتية ناعمة /الأروقة/ وأشكال نجمية /المحراب/ ومكعبات منحوتة /الواجهة الخارجية/ والبركة المثمنة المفصصة وترخيم الأرضيات /الباحة والأروقة والإيوان والدهليز/ وبهذا يمكن أن نقول أنّ "مدرسة الفردوس" تشكل قفزة ثانية بعد "المدرسة الظاهرية" في فن عمارة المدارس».

وأخيراً ورد في كتاب /نهر الذهب في تاريخ "حلب"/ للمؤرخ الحلبي الشيخ "كامل الغزي" ما يلي: «عمارة "ضيفة خاتون" بنت الملك العادل "سيف الدين أبي بكر محمد" زوجة الملك "الظاهر غازي بن صلاح الدين بن يوسف بن أيوب" والدة الملك "العزيز بن الملك الظاهر"، بنتها /العمارة/ جامعاً ومدرسة وتربة ورباطاً سنة 633 هجرية ووقفت عليها أوقافاً عظيمة من جملتها قرية كفر زيتا وثلث طاحون من النهريات، جامعها حافل عظيم متقن البناء واسع الأرجاء معدود في حلب من الآثار القديمة العظيمة يقصده السواح لما اشتمل عليه من عظمة البناء وضخامة الحجارة والأعمدة وبداعة الطراز، صحنه يبلغ ستين ذراعاً وفيه حوض واسع جميل الصنعة على شاكلة حوض السلطانية وفي شماليه إيوان كسروي وعلى جانبيه المدرسة والمطبخ وفي شرقي الصحن وغربيه الرباط والتربة كلاهما الآن مملوءان من قبور لا تعرف تراجمهم وفي جنوبي الصحن قبلية واسعة.

من أجمل ما فيه المحراب فإنه عديم النظير لما اشتمل عليه من حسن الصنعة والنقوش والإتقان والإحكام فيه عدة ألواح من الحجر اليشم النادر الوجود وهذه اللفظة فارسية وأصلها /اشباد جشم/ قال "ابن العديم" هو من أعاجيب الدنيا يرى الناظر إليه وجهه فيه من صفاء معدنه.

وفي شرقي القبلية حجرة متقطعة فيها قبران يزعمون أن الشمالي منهما مدفون فيه سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حتى إنه مكتوب على رقعة في ثوب الضريح هذا قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب نقل صندوقه سيف الدولة أيام دولته من النجف سنة 317 هجرية، وهذا كذب ظاهر فقد نص المؤرخون على أن قبر علي رضي الله عنه خفي لا يعرف موضعه أحد، إن مجيء سيف الدولة إلى حلب كان سنة 333 هجرية فكيف يأتي بالصندوق من النجف إلى حلب /سنة 317 هجرية/ قبل مجيئه إليها؟».