ازدهر العلم في "حلب" ازدهاراً عظيما خلال العصور القديمة والحديثة، ومما يدل على هذا الازدهار هو كثرة المدارس المنتشرة في مختلف أحياء "حلب" القديمة سواءً الواقعة منها داخل أو خارج الأسوار. ففي قلب "حلب" القديمة، وعلى الجهة المقابلة للباب الغربي للجامع الكبير تطالعنا لوحة صغيرة قرب باب خشبي قديم كتب عليها "المدرسة الحلوية"، يفضي هذا الباب الخشبي إلى درج صغير ينخفض نحو الأسفل فيفضي بدوره إلى فناء وساحة مدرسة تعود بنا إلى حقب تاريخية قديمة، لعبت خلالها أدواراً متعددة.

مدرسة كان لها شأن عظيم في الماضي وقد عايشت مع سكان "حلب" الكثير من أحداث التاريخ من انتصارات وغزوات، ثم أهملت لفترة من الزمن وهاهي الآن تخضع لأعمال ترميم وإصلاح من أجل إعطائها دوراً يليق بها في عصرنا الحديث..

رغم كل التحديات التي كانت قائمة في الفترة البيزنطية، لكن يبقى للأسلوب السوري والعربي والإسلامي مميزاته في هذا المكان، لقد دهشت كثيراً عندما دخلت هذا المكان ورأيت هذه الأعمدة المزخرفة التي تعود إلى مئات السنين، وهذه القبب الشامخة، وفي الحقيقة لمسنا من خلال زيارتنا لسورية أنها أقدم بلد في العالم، ونتمنى لسورية أن تسير باستمرار على خطا التقدم والتطور

تقع "المدرسة الحلوية" مقابل الباب الغربي للجامع الكبير ولا يفصل بينهما سوى الشارع الصغير الواقع بينهما، كانت المدرسة "الحلوية" في بداية أمرها "كاتدرائية" ويقال بأن "هيلانة" والدة "قسطنطين" هي من قامت ببناء هذه الكاتدرائية، وقد كانت من أكثر الكنائس قداسة في الشرق الأوسط حتى عام /1124م/،/518هجري/، حيث قام الصليبيون بمحاصرة "حلب" في تلك الفترة، وقام "جوسلين" قائد الحملة مع جيشه بإفساد المحاصيل الزراعية وقطع الأشجار وتخريب المزارات ونبش القبور.

وقد وقعت مسؤولية الدفاع عن المدينة في تلك الفترة على قاضي حلب "ابن الخشاب" فقام بأعمال انتقامية من الصليبيين فصادر أربع كنائس داخل المدينة وحولها إلى مساجد وكانت من بين هذه الكنائس الكاتدرائية الكبرى، وتحولت الكاتدرائية الكبرى إلى مسجد أطلق عليه في تلك الحقبة "مسجد السراجين".

ولما حكم "نور الدين" "حلب" حول المسجد إلى مدرسة دينية لتدريس مذهب "أبي حنيفة" وأضاف إليها إيوان وبعض الغرف لاستضافة الفقهاء وانتهى منها عام /1149م/،/544هجري/ فكانت هذه المدرسة إحدى أشهر المدارس في "حلب"، وكانت تضم عددا كبيراً من الطلاب كما كانت مرتّباتها من أعلى المرتبات، أما مصدر تسمية المدرسة "الحلوية" بهذا الاسم فهو من (الحلوى) حيث يروى أن "نور الدين محمود" اعتاد في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان أن يملأ حوض المدرسة بالحلوى والقطائف المحشوة ويجمع عليه فقهاء المدرسة ليأكلوا منه، وقد أشاد الرحالة "ابن جبير" الذي زار "حلب" عام/580هجري/،/1184م/ بالمدرسة "الحلوية" وذكرها في كتابه، كما ذكرها الرحالة العربي "ابن بطوطة" الذي زار حلب عام/756هجري/،/1355م./

إضافة إلى طابعها المعماري الفريد وأعمدتها المحفورة بشكل يذهل العقول، تتميز المدرسة "الحلوية" بمحرابها الأخاذ الذي يعتبر أية بديعة من آيات الزخرفة العربية.

وهو عبارة عن خشب محفور مع نقوش مرصعة بخشب الأبنوس والعاج والصدف، وعليه كتابة محفورة بخط مؤرخ "حلب" "ابن العديم"، وقد قام بتشييد هذا المحراب "نور الدين زنكي" في القرن الثاني عشر الميلادي، ولم نتمكن من تصوير المحراب بسبب أعمال الصيانة التي تخضع لها المدرسة "الحلوية" فقد تمت تغطية هذا المحراب بالكامل من أجل الحفاظ عليه، حيث تخضع المدرسة "الحلوية" لأعمال صيانة وترميم منذ سنوات من أجل إعادة إحيائها ولتعيش مع الأجيال القادمة ألق المستقبل كما عاشت مع الأجداد دفء الماضي (1).

أثناء تجولنا في هذه المدرسة موقع eAleppo التقى مجموعة من السياح وسألناهم عمّا أعجبهم في هذه المدرسة، فقال السائحان "آلان كويبنر" و"بري مارا" اللذان جاءا من نيوزيلندا: «رغم كل التحديات التي كانت قائمة في الفترة البيزنطية، لكن يبقى للأسلوب السوري والعربي والإسلامي مميزاته في هذا المكان، لقد دهشت كثيراً عندما دخلت هذا المكان ورأيت هذه الأعمدة المزخرفة التي تعود إلى مئات السنين، وهذه القبب الشامخة، وفي الحقيقة لمسنا من خلال زيارتنا لسورية أنها أقدم بلد في العالم، ونتمنى لسورية أن تسير باستمرار على خطا التقدم والتطور».

كما التقينا الدليل السياحي "أحمد الفحل" الذي حدثنا عن جولتهم في هذه المدرسة فقال: «لقد كانت زيارتنا لهذه المدرسة هي المحطة الثالثة في حلب، فقد زرنا قبلها المتحف والجامع الأموي وسنزور القلعة بعد قليل، لقد أعجب الجميع بهذه المدرسة التي تعود إلى الفترة البيزنطية، كما أعجبوا بالمحراب الخشبي القديم المزخرف بشكل رائع، وكنت أتمنى لو أن أعمال الترميم منتهية لكانت بدت المدرسة بشكل جميل ورائع جداً، على كل حال تبقى مدرسة تاريخية هامة من كل النواحي».

(1)- المرجع: كتاب "جولة سياحية في حلب"- تأليف "محمود حريتاني"، "رشيد مبيض".