تعتبر الخانات إحدى أهم المعالم الأثرية والتاريخية في "حلب"، حيث أخذت المباني العثمانية تظهر في المشرق العربيّ إبان الحكم العثماني لها في مطلع القرن السادس عشر، ممتزجاً مع التقاليد المحلية التي استمرت تُعَبر عن ذاتها، ولا سيما في مباني بلاد الشام خاصة مدينة "حلب"، ولا زالت هذه الخانات تحتفظ بهيكليتها التي بنيت عليها..

ووقفتنا اليوم مع "خان الوزير" بـ"حلب"...

زارني أحد السياح الأتراك منذ يومين وقال لي: "لدينا في تركيا نفس هذا الخان تماما - وعرض لي بعض الصور عن ذلك- إلا أن خاننا يتمتع بالاهتمام الكبير والنظافة.. ليس كخانكم هذا

يقع "خان الوزير" في "سويقة علي" في الجهة الشرقية الشمالية للمدينة بين قلعة "حلب" و"الجامع الأموي" الكبير. بناه والي "حلب" آنذاك "قره محمد باشا" عام (1683)م. في الفترة التي كانت التجارة في أوج ازدهارها في مدينة "حلب"، أيام السلطان العثماني "محمد الرابع"، أما تسميته بـ "خان الوزير" فجاءت بعد أن أصبح فيما بعد والي "حلب" الذي بناه وزيراً في "الآستانة" فسمي نسبة إلى ذلك.

صورة علوية

يعدُّ "خان الوزير" من أجمل وأشهر خانات "حلب"، حيث يمتاز مدخل الخان بواجهته الداخلية والخارجية ونوافذه الغنية بالزخارف حيث تعد أجمل واجهة من واجهات الخانات في مدينة "حلب"، إضافة إلى بوابته الضخمة الجميلة.

يتألف الخان في مسقطه الأفقي من صحن واسع تلتف من حوله أربع واجهات، تتألف الواجهة من مجموعة كبيرة من الغرف المسقوفة بأقبية سريرية ومحمولة على الأقواس الفارسية وهذه الغرف موزعة على طابقين. الطابق الأول يطل على الصحن بواسطة سلسلة من القناطر أما الباحة فيزينها مسجد صغير توضع وسطها بالإضافة إلى موضأ ومجموعة من الأشجار تلطف الجو.

عبد الرحمن دباغ

كانت لموقع eAleppo زيارته الميدانية للخان بتاريخ (5/8/2008) م لتستقبلنا عند مدخله البوابة المقوسة ذات الزخارف الجميلة التي لا زالت تحتفظ بجاذبيتها رغم جور الزمان عليها.. لندخل ساحة الخان التي ملأتها سيارات التجار، أما المحال التي كانت في الطابق الأرضي فلوحاتها عرّفت بها فهي إما لبيع (الألبسة القطنية) أو لبيع (الخيوط) وهذا هو المعروف عن "خان الوزير" الذي لا زال يعتبر منفذاً مهماً لعرض الأقمشة والخيوط والاتجار بها ..

ولنتعرف أكثر على الخان التقينا السيد "نبيل شيخ قروش" صاحب أحد المحال في الخان، والذي حدثنا بداية عن الخان قائلاً: «يعد "خان الوزير"من أكبر خانات "حلب" وأقدمها وهو كغيره من خانات "حلب" التي بنيت بالأساس لاستقبال القوافل المحملة بالبضائع، حيث تقوم بعرض بضائعها وبيعها فيه، إضافة لأقامتها فيوجد أماكن مخصصة للخيول يتم فيها إطعامها وسقيها وذلك في الطابق السفلي الذي يتم فيه أيضاً عرض بضائع التجار، أما الطابق العلوي فهو مخصص لإقامة التجار وراحتهم.

أما الآن فالطابق السفلي والعلوي هما محال تجارية لبيع الألبسة والخيوط والقطنيات إضافة إلى مكاتب الاستيراد والتصدير وبيع الجملة»، وعن البضائع التي يحويها السوق حالياً أضاف: «المعروف عن "خان الوزير" هو تجارة الخيوط والألبسة الداخلية إذ يقوم التجار الموجودون باستقدام بضائعهم من المعامل التي هي خارج الخان ليتم عرضها وبيعها في الخان وأغلب التجار هنا هم أصحاب معامل إضافة لوجود مكاتب التجارة، ومكاتب التصدير، إذا يصدر من الخان أقمشة وخيوط إلى معظم البلدان العربية وبعض الأجنبية كـ ( روسيا – اليمن – السعودية اليونان ...)».

اذاً أقمشة ذات مصدر محلي وبخبرات محلية وجودة عالية تنتشر في جميع محافظات القطر، ولم تقف عند ذلك بل ليصل تصديرها إلى الخارج وهذا ليس من فراغ وإنما دليل على قدرتها على المنافسة والتطور، وعن ذلك يحدثنا السيد "عبد الرحمن دباغ" أحد تجار ومصنعي الألبسة الداخلية القطنية المتواجدين في "خان الوزير" منذ ما يزيد على الأربعين عاما في السوق وارثاً ذلك عن جده وأبيه، فحين سألناه عن الأقمشة وما الذي يتحكم بمقاييس الجودة تحدث قائلاً: «يختص خان الوزير ببيع الأقمشة الداخلية (القطنية والانترلوك)، وخيوطنا في التصنيع هي خيوط وطنية وجميع المصانع متشابهة من حيث المعدات والآلات أما التميز والجودة فتلعب به عدة عوامل أهمها الخبرة إضافة إلى جودة القوالب – جودة القماش وأيضا أنواع الخيوط وجودتها، وبالنسبة لنا نحن قديمون في المصلحة ونتوارث الخبرة جيلاً بعد جيل، واستطعنا بحمد الله أن نواكب جميع التطورات في هذه الصناعة وهذا سبب بقائنا منافسين في الأسواق المحلية والعالمية».

**«زارني أحد السياح الأتراك منذ يومين وقال لي: "لدينا في تركيا نفس هذا الخان تماما - وعرض لي بعض الصور عن ذلك- إلا أن خاننا يتمتع بالاهتمام الكبير والنظافة.. ليس كخانكم هذا».

هذه أكثر العبارات التي لفتت انتباهنا في حديث السيد "نبيل شيخ قروش" والتي تترجم تماما ما شاهدناه بأعيننا من حاجة هذا الخان إلى اهتمام أكثر به وبمعالمه، كحاجته الماسة إلى الترميم ليبقى شاهداً من شواهد الوطن والتي لازالت تعانق التاريخ بإبداعات أجدادنا وأثارهم..