بتاريخ 9/5/2011 أقام فرع "حلب" لاتحاد الكتاب العرب حفل تأبين للأديب الراحل "عبد الرحمن سيدو" حضره عدد من أدباء المدينة ومن المهتمين بالشأن الثقافي وآل الفقيد وأصدقائه.

موقع eAleppo حضر حفل التأبين وهناك التقى بعدد من الحضور سألهم حول حياة الفقيد الراحل ونتاجاته الأدبية ودوره في الحياة الثقافية بحلب.

لقد نشر أديبنا الراحل أول أعماله في العام 1976 في مجلة "الموقف الأدبي" وهو "الصرخة في رماد الأرز" وتوالت أعماله حتى وفاته وقد لاقت الاهتمام من النقاد والدارسين للأدب

الأستاذ "حسن بيضة" تحدث بالقول: «في العام 1966 كنت معلماً في قرية "الفريرية" التابعة لمنطقة "عفرين" وكان عندي في الشعبة حينها تلاميذ الصف الأول والثاني والثالث، وفي تلك السنة أيضاً افتتحت لتلاميذ الصف الرابع شعبة في القرية حيث كانوا يذهبون إلى قرية بعيدة للدراسة في مدرستها ومن بين تلاميذي حينها كان المرحوم "عبد الرحمن سيدو".

الأستاذ حسن بيضة

ومضت الأيام، وقبل فترة وفي نادي التمثيل للآداب والفنون اشترك المغفور له في أمسية أدبية وبعد انتهائه أثنى الحضور على لغته وأسلوبه في اللغة العربية فالتفت إليهم وقال يعود الفضل في عشقي للغة العربية إلى أستاذ درّسني في قرية "الفريرية" وهو الآن بيننا إنه الأستاذ "حسن بيضة".

ففي تلك الفترة تفرغت مدة أربعة أشهر لإعطاء تلاميذ الأول والثاني والثالث مادة اللغة العربية والحساب حيث كانوا يقفون أمام أهاليهم ليلقوا على مسامعهم قصيدة للمتنبي أو "البحتري" أو "ابن الرومي" لأنني كنت أشجعهم على عشق اللغة العربية، وكان المرحوم من بين هؤلاء التلاميذ ومنذ تلك الأيام عشق اللغة العربية ولاحقاً درس المحاماة في "حلب" وتخرّج في جامعتها وبعدها بدأ بكتابة القصة وطبعها».

الدكتور محمد حسن عبد المحسن

الأستاذ "أسامة مرعشلي" قال: «عُرف عن المغفور له طيب المعشر وحصافة الرأي والإخلاص بالقول والعمل، لقد كان "عبد الرحمن سيدو" إنساناً بكل ما تحمله كلمة إنسان من قيم ونبل في مسار حياته الشخصية، وهذا النزوع الإنساني النبيل انعكس في سائر أعماله الإبداعية القصصية ولا سيما في تناوله لحياة بسطاء الناس الذين رصد طباعهم وسيرهم في الريف وكذلك البعض منها في المدينة وعلى وجه الخصوص ريف منطقة "عفرين" الذي ولد فيه في العام 1951 حيث نشأ وترعرع إلى أن انتقل إلى مدينة "حلب" حيث مارس التدريس ثم حصل على الإجازة في الحقوق ومارس المحاماة بين "حلب" و"عفرين".

للأستاذ "عبد الرحمن سيدو" خمس مجموعات قصصية هي: "بقعة ضوء في ذاكرة مغبرة" –"دار ابن هاني" في "دمشق" -1987، "غناء البنفسج" صدرت في "دمشق" -1989، "الذئب" الصادرة عن وزارة الثقافة في سلسلة روايات وقصص عربية رقم 49 في "دمشق" -1994، "ما قالته لوحة جمشيد" الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب في "دمشق" -1998، "درجة الضغط 18" الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب في "دمشق" -2001، وله رواية ما زالت مخطوطة آمل أن ترى النور قريباً بسعي أبنائه وبتعاون مع أصدقائه وعنوانها "ماذا أحكي لكم" وتتألف من عشر حكايات اعتمد في بنائها السردي على الحكائية وأسلوب القص المتبع في "ألف ليلة وليلة"».

الأستاذ أمير سيدو -نجل الفقيد

وختم: «لقد نشر أديبنا الراحل أول أعماله في العام 1976 في مجلة "الموقف الأدبي" وهو "الصرخة في رماد الأرز" وتوالت أعماله حتى وفاته وقد لاقت الاهتمام من النقاد والدارسين للأدب».

الدكتور "محمد حسن عبد المحسن" رئيس فرع "حلب" لاتحاد الكتاب العرب قال: «لم أكن أتصور يوماً بأنني سأقف كي أرثي صديقاً وزميلاً في اتحاد الكتاب العرب وتجمعني معه قرابة الأدب، هذه القرابة التي يقول عنها الشاعر العربي "أبو تمام" قبل 1200 عام وهو:

إن يفترق نسب يؤلف بيننا / أدب أقمناه مقام الوالد.

الآن نحن في حالة قرابة الأدب مع المرحوم "عبد الرحمن سيدو" فهو بمنزلة الأخ وليس بمنزلة الصديق فحسب، الأخ الحقيقي لأنه أبدع في عالم الأدب ومن هنا كانت لنا معه القرابة التي نعتز بها وهي قرابة الأدب، لقد كان الأستاذ "عبد الرحمن" بالأمس القريب ماثلاً أمام العين والقلب ولكنها مشيئة الله، لقد غاب عنا المرحوم بجسده ولكنه حاضر دائماً بيننا بقيمه ومثله وأدبه».

الأديب "عبدو محمد" صديق الراحل قال: «رحل صديقي "عبد الرحمن" بصمت شديد وها أنا أراه ماثلاً أمام ناظري كما لو أنه يدخل إلى مقر اتحاد الكتاب العرب، ويجلس سريعاً ليطلب فنجان القهوة ويشعل لفافة تبغ ومازلت اسمع نفسي أسأله لماذا هذا الانتحار/ التدخين/ يا صديقي، وأسمعه يشكو الدهر والناس والحياة صاماً أذنيه عما أقوله له وأطلبه للتوقف عن الانتحار بترك التدخين فلا يأبه.

سنوات مضت كررنا أنا و"عبد الرحمن" هذا الحوار غير المجدي وما زلت أسمعه وهو ينهي الحديث في كل مرة ولا أدري بماذا أجيبه، وهو لا يود الكف عن الانتحار.

في عيد الفطر 2010 جاءني زائراً مع ابنه "أمير" فقال لي بأن الاختبارات الطبية طمأنته لكن نظرات ابنه كانت تقول غير ذلك ومنه عرفت بأن العلة الخبيثة قد تمكنت منه وما عاد من علاج لوقفها وزلزلني ما عرفت.

كنت أتتبع أخباره وهو ينتقل بين الأطباء والمشافي حينها عرفت أن موعد رحيله قد اقترب، وقبل أسبوع واحد من رحيله زرته في بيته في مدينة "عفرين" حيث رأيته في بيته مستلقياً يذوب ساعة بساعة، وفي ذلك اللقاء أوصاني بأولاده فقلت له ما يقال لعزيز راحل وأغمض عينيه على بقايا ابتسامة اطمئنان ثم غاب عما حوله».

الشاعر العراقي "فايز العراقي" قال: «في مطلع التسعينيات من القرن الماضي وهو تاريخ قدومي وعيشي في مدينة "حلب" الطيبة حضرت أمسية أدبية أقامها اتحاد الكتاب العرب لمجموعة من الأدباء وكان من بين فرسانها فقيدنا الغالي "عبد الرحمن سيدو" وحينما فرغ المرحوم من قراءة قصته "الذئب" التي تحولت لاحقاً إلى عنوان لإحدى مجموعاته القصصية أدركت للتو واللحظة أنني أمام قاص مبدع حقاً وأبديت إعجابي به ومنذ تلك اللحظة بدأت رحلة صداقتي الطويلة معه وحتى لحظة الفراق المر.

الأديب والمبدع "عبد الرحمن سيدو" امتهن الحرف ودافع عن نقاء الكلمة والفكر، ويظهر أثره الفاعل بعد رحيله بنقطتين جوهريتين أساسيتين هما: القيم الإبداعية والفكرية التي وسمت إبداعه وفكره والقيم الأخلاقية والروحية التي تحلى بها أثناء حياته وأثرها في نفوس محبيه وأبناء مجتمعه.

هنا أستطيع التأكيد ودون مجاملة أن فقيدنا الراحل حاز الاثنين معاً، إبداع مؤثر وفاعل في مجال القصة والثقافة عموماً وخلق كريم تجسد بسماته الأخلاقية الرفيعة كالوفاء والكرم والإنسانية والمحبة واحترام الناس وعدم الانتقاص منهم».

أخيراً تحدث الأستاذ "أمير سيدو" نجل الفقيد بالقول: «والدي ما زال حاضراً في عقولنا ونفوسنا لأنه ما زال يعيش معنا بلحظات تبغه وسعادته وشقائه ومرضه وموته، لقد كان أباً طيباً وحنوناً جمع بشكل آسر صفات الأبوة المقدسة وبغيابه غابت عنا تلك اللحظات الجميلة حيث كان صديقاً وعزيزاً ومبدعاً.

لقد ترك رحيله عن أسرته فراغاً كبيراً وخسارة للوطن والمجتمع والأسرة الثقافية التي كان يفتخر بأنه واحد منها، لقد كان مثال الوالد العطوف الحنون همه الدائم أن يرقى بأبنائه إلى أعلى الدرجات العلمية والثقافية والأخلاقية باذلاً في سبيل ذلك كل عون ومساعدة وتضحيات.

لقد عرف والدي بشجاعته في إعلاء كلمة الحق والدفاع عنها لأنه كان يكره الظلم فحمل قلمه يسخره لخدمة أبناء أمته وأهله وأصدقائه.

عرفناه محباً رحيماً صديقاً وراجح العقل ذا همة عالية شريفاً ومخلصاً في عمله يملك بين جوانبه قلباً نقياً لا يعرف الحسد والحقد صابراً ومحتسباً، كما عهدناه محباً لوالديه باراً بهما ومحباً لأسرته حيث كان يتفانى لإسعادها، وكان زوجاً مثالياً في سيرته العطرة مع والدتي ومحبوباً من كل جيرانه وأصدقائه».