لأهل الريف الحلبي تقاليد خاصة ورثوها من آبائهم وأجدادهم منذ مئات السنين، وما زالت تلعب دوراً مهماً في حياة السكان اليومية، ومنها اعتماد ظهور الأزهار ونموّها في تحديد الكثير من مناسباتهم.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 22 أيار 2016، المزارع المعمّر "خليل حسو عبدو" في "عفرين"؛ الذي تحدث بالقول: «للتقويم أهمية بالغة في حياة السكان؛ لأنهم يتعرفون من خلاله إلى الكثير من المناسبات الاجتماعية والزراعية الدورية الخاصة بهم، وأعمارهم، وغير ذلك. وما زال الكثيرون من المزارعين وخاصة المسنون منهم يعتمدون هذه التقاويم في حياتهم؛ فمثلاً عندما تسأل معمراً عن عمره يجيب: أنا من مواليد سنة الثلج* أو بعدها بكذا عام.

بقي أن نذكر أن ظهور الأزهار بوجه عام هو موعد الخروج إلى الجبال المحيطة لإعداد المؤونة السنوية من "الزهورات" التي تستخدم على مدار العام لعلاج مختلف أنواع الأمراض والعلل

وأضاف: «إن اعتماد ظهور أزهار النباتات المختلفة ونموّها السنوي في عرف الفلاحين هو دليل مناسبات معينة.

المعمر خليل حسو عبدو

ومن هذه الأزهار "زهرة العدس" و"زهرة الجلبان" التي يعتمد المزارعون على ظهورهما لتحديد مناسبة زراعية سنوية؛ كعمليات تقليم الأشجار التي يقوم بها أشخاص متخصصون بهذا العمل.

والتقليم كما هو معلوم يهدف إلى تحسين أنواع الشجر للحصول على جودة المحصول، ولا تنجح عمليات التقليم إلا في أوقات محددة من السنة، في عرف الفلاحين يكون الوقت المناسب للقيام بعمليات التقليم هو ظهور "أزهار العدس" و"أزهار الجلبان" مع بداية شهر أيار؛ لذلك ينتظرون هذا الوقت لتقليم أشجارهم.

تقليم الشجر مع نمو أزهار العدس والجلبان

ومن الأزهار المعروفة لدى سكان المنطقة زهرة تسمى شعبياً "زهرة الفلاح"؛ وهي ذات لون أزرق غامق وتنمو مع بداية فصل الربيع، إن ظهور هذه الزهرة في عرف الفلاحين ينبئ باقتراب فصل الربيع؛ أي الوقت المناسب لحراثة الأراضي الزراعية، والحراثة في موعدها المحدد مهمة للغاية للحصول على مواسم وفيرة».

وقال المزارع "إبراهيم إيبو" من "عفرين" أيضاً: «كثيرة هي المناسبات المحلية الخاصة التي ترتبط بنمو أزهار بعض النباتات، ومن أكثر هذه المناسبات وأشهرها "الطهور الجماعي للأطفال" في الريف.

تجهيز "عش القرقة" من نبتة التعلة

وفي المعتقدات الشعبية في المنطقة، فإن الوقت المناسب للقيام بهذه المناسبة هو ظهور "أزهار شجرة اللوز" مع بداية فصل الربيع؛ حيث يعم الدفء بعد مدة طويلة من البرد القارس، في هذا الوقت من العام يجوب المطهّرون القرى للقيام بأعمالهم؛ حيث يجلسون في أحد البيوت ليجلب الآباء أبناءهم، فيتم طهورهم وسط أجواء اجتماعية جميلة يسودها المرح والمحبة وإطلاق "النكت" الشعبية.

"شقائق النعمان" ذات اللون "النيلي" تبشر بقدوم الربيع، أما نمو الأزهار الصفراء الصغيرة لنبتة "الخاشل" المعروفة في الريف الشمالي لـ"حلب"، فهو موعد قيام النسوة بإعداد مؤونتهن من مادة "دبس العنب"؛ فخلال عمليات غلي "الدبس" تقوم النسوة بتمرير كمية من أزهار نبتة "الخاشل" الخضراء على سطح المغلى عدة مرات؛ لأن ذلك يمنح الدبس طعم "العسل الطبيعي" ونكهته.

إن نمو "زهرة الخاشل" هو موعد رعي النحل أيضاً؛ لأن العسل المستخلص من هذه الزهرة هو عسل ذو نكهة خاصة وسعره أغلى من جميع أصناف العسل الطبيعي، ويسمى "عسل الخاشل"».

وتابع "إيبو" حديثه بالقول: «إن نمو نبتة "التعلة" في الريف مؤشر على موعد قعود "القرقة" على بيضها؛ لذا تقوم النسوة بتجهيز "خم الدجاجات" ووضع البيض تحتها في عش معدّ من أغصان هذه النبتة ذات الرائحة العطرية الحادة الطاردة للديدان التي تهاجم الصيصان وخاصة "القرّاد"، كما يدل ظهور النبتة على عودة عصفور "كابلاك" وتزاوجه، فهذا الحيوان الذي يسمى "باشا الطيور" يستخدم هذه النبتة في بناء عشه ووضع بيضه فيه لطرد "القرّاد" أيضاً».

وختم: «بقي أن نذكر أن ظهور الأزهار بوجه عام هو موعد الخروج إلى الجبال المحيطة لإعداد المؤونة السنوية من "الزهورات" التي تستخدم على مدار العام لعلاج مختلف أنواع الأمراض والعلل».

  • سنة الثلج: حدثت بين (1911-1912)، حيث تساقطت الثلوج أربعين يوماً، واعتبرت من الأحداث المحلية الكبيرة حينها.