تقدم النسوة في ريف "حلب" عدداً من الأكلات المخصصة لفصل الشتاء، تكون قد حفظتها في موسمها خلال الصيف، فتكتمل السهرات الريفية حول مواقد النيران التي تتناوب بين بيوت القرية.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 21 تشرين الثاني 2014، العم "مصطفى حمو" من منطقة "عفرين"؛ الذي تحدث عما يسمونه "ضيافة الشتاء" ويقول: «تتميز السهرات الليلية الشتوية للريفيين بروح المحبة والتعاون من خلال الحضور الجماعي كباراً وصغاراً وبالتناوب في أحد بيوت القرية لقضاء أمتع وأجمل الأوقات بجانب النار، بينما يقوم أحد الحاضرين ممن يعرفون الحكايات والقصص الشعبية بسردها، ويقوم آخر بالعزف على "التمبور" أو "الزرنة" وسط أداء أجمل الأغاني الشعبية والملحمية، وكان للأطفال حضورهم اللافت في تلك الأمسيات من خلال الاستمتاع بتلك الحكايات أو الرقص على أنغام الموسيقا، وللنسوة بصماتهن المؤثرة في تلك الليالي الرائعة من خلال إعداد وتحضير ألذ الأكلات الشعبية الخاصة وتقديمها للحضور ليكتمل بذلك التناغم الاجتماعي الجميل، ويسمي أهل الريف تلك الأكلات المحفوظة والمعدة خصيصاً لتلك الأمسيات بـ"ضيافة الشتاء"؛ وتقدم إما على سبيل التسلية أو كحلوى تقليدية وطبيعية مفيدة لصحة الإنسان».

ومن الأكلات الخاصة المرتبطة بالتسلية في تلك السهرات "حبات البطم" التي تقطف بعد نضجها عندما يصبح لون الحبات أخضر فتقوم السيدة بتنظيف الحبات من القش وحفظها ضمن أكياس قماشية خاصة، وخلال تلك السهرات تقوم بقلي الحبات مع قليل من الماء المالح فتصبح من أطيب أنواع المكسرات وألذها، إضافة إلى حضور هذه الأكلات في سهرات الريفيين الشتوية فإنها تملك مواصفات علاجية فعالة في الكثير من الأمراض والعلل، فالتين اليابس والزبيب يستخدمان بكثرة من قبل السكان في معالجة الإمساك والسعال الجاف، كما يستخدمون "دبس العنب" و"الكيسمة" و"الباستق" و"السنجق" للحصول على القوة والطاقة والدفء

أما العمة "مولودة خالد" عن تحضير تلك الأكلات فتقول: «فصل الشتاء في أعراف المزارعين والرعاة هو عطلة سنوية وفرصة للراحة وذلك بسبب هطول الأمطار وتساقط الثلوج لأيام عديدة، ولكي يملؤوا أوقات فراغهم الطويلة يلجؤون إلى إقامة السهرات والأمسيات الشعبية والفنية الجميلة التي تخرّج فيها عبر الزمن المطربون الشعبيون والحكواتية وغيرهم، ومن تقاليد هذه السهرات أنها تقام دورياً بين بيوت القرية الواحدة وبالتناوب، وتتميز هذه السهرات بضيافتها الخاصة التي تقدم للحضور، وتضم هذه الضيافة أكلات متنوعة ومتعددة مصدرها الطبيعة والبيئة المحيطة بالريفيين، حيث تقوم النسوة بمعالجتها منزلياً وحفظها منذ أيام الصيف، وأهم هذه الأكلات: "التين المجفف"، و"الزبيب"، و"البطم"، و"الجوز"، و"اللوز" المجففان، و"العسل"، و"دبس العنب" الذي يسمى شعبياً "الدبس الحلو" و"السمسم" و"الباستق" و"السنجق" و"الكيسمة"، وغيرها».

تحضير "باستق التين"

وعن طريقة تحضيرها تقول: «بالنسبة للتين المجفف، نحضره منذ موسم التين الأخضر أواخر فصل الصيف بقطف الحبات ونشرها على "المشتاغة" ضمن الحقل بعد غلي الحبات قليلاً بالماء للقضاء على بيوض الحشرات، و"المشتاغة" عبارة عن طبقة من القش تُمد على الأرض لتُجفف عليها ثمار التين التي تُنقل بعدها وتُحفظ بعد دقها مع السكر ضمن أكياس قماشية خاصة، أما "الزبيب" فيحضر بغسل الحبات جيداً ثم وضعها في سائل خاص يسمى شعبياً "الصفية" مع قليل من زيت الزيتون، ثم ننشر الحبات على "المشتاغة" حتى تفقد كثيراً من رطوبتها فنحفظها ضمن أكياس قماشية، و"الصفية" هي منقوع رماد الأخشاب وأفضله منقوع أعواد "الكرمة" حيث يوضع الرماد بعد حرق الأعواد في الماء وتركه ليترسب ويصبح الماء صافياً، أما "كيسمة" فيتم إعدادها بمزج قليل من السميد الأبيض بالطحين وعجنهما بعصير العنب مع وضع المزيج على النار حتى يأخذ قواماً عجينياً ثم نضع المزيج تحت الشمس حتى يجف قليلاً فنقطعه بالسكين إلى عدة مكعبات ونحفظها لفصل الشتاء، ويجب إضافة الجوز واللوز خلال مرحلة الغلي لتصبح من أفخر أنواع الحلويات في الريف».

وتتابع: «هناك أيضاً "الباستق" وله نوعان: "باستق التين" ونقوم بإعدادها من ثمار التين الطازجة فبعد إزالة قشورها نفركها بواسطة اليدين ثم نمزجها بالطحين والسمسم والحبة السوداء، ونغليها غلوة واحدة على النار ثم نمد المزيج على قطعة قماشية تحت الشمس حتى تجف لنقطعها ونطويها ونحفظها للشتاء، أما "باستق العنب" فنحضره بغلي عصير العنب ثم خلطه بالدقيق والنشاء مع إبقاء المزيج على النار حتى يصبح قوامه عجينياً فنسكبه على خام أبيض تحت الشمس حتى يصبح مطاطياً قبل أن نقطّعه ونطويه ونحفظه، وكذلك "السنجق" وهي من أقدم الحلويات في الريف السوري عموماً، ويتم إعدادها بترطيب حزوز قلب الجوز أو اللوز لتمرير الإبرة والخيط من خلالها، وبعد الانتهاء من العملية يتم تحضير المزيج وهو سائل مغلي مؤلف من الطحين والنشاء وعصير العنب، ثم يقوم الناس بتغطيس خيوط قلوب الجوز واللوز في المزيج ونشرها على أعواد خاصة تحت الشمس حتى تأخذ قواماً مطاطياً معروفاً».

البطم

وتختم: «ومن الأكلات الخاصة المرتبطة بالتسلية في تلك السهرات "حبات البطم" التي تقطف بعد نضجها عندما يصبح لون الحبات أخضر فتقوم السيدة بتنظيف الحبات من القش وحفظها ضمن أكياس قماشية خاصة، وخلال تلك السهرات تقوم بقلي الحبات مع قليل من الماء المالح فتصبح من أطيب أنواع المكسرات وألذها، إضافة إلى حضور هذه الأكلات في سهرات الريفيين الشتوية فإنها تملك مواصفات علاجية فعالة في الكثير من الأمراض والعلل، فالتين اليابس والزبيب يستخدمان بكثرة من قبل السكان في معالجة الإمساك والسعال الجاف، كما يستخدمون "دبس العنب" و"الكيسمة" و"الباستق" و"السنجق" للحصول على القوة والطاقة والدفء».

إعداد "السنجق"