في "ريف حلب الشمالي" تقوم النساء بصنع "البوست" وإعداده منزلياً بشكل تقليدي لاستخدامه في بيوتهم كزينةٍ ولباسٍ وعلاجٍ لبعض العلل.

في "جنديرس" من "ريف حلب الشمالي" مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 1 أيار 2014 السيدة "زينب شيخ محمد" وسألتها عن طريقة إعداد "البوست" وتحضيره، فأجابت قائلةً: «في البداية أود القول إن "البوست" يُصنع من جلد الخراف بعد سلخه عن الحيوان، وليس لصنعه وتحضيره وقت محدد من العام على الرغم من أن ذلك يتم بكثرة خلال أيام "عيد الأضحى المبارك"، حيث يتم فيه تقديم القرابين والأضحية.

في كل بيت من بيوت "الريف الشمالي لحلب" يوجد بوست أو بوستين تم صنعهما محلياً من قبل النسوة وخاصة المعمرّات منهن، فهن خبيرات بتحضير مثل هذه المواد التقليدية. إن تحضير "البوست" صناعة تقليدية منزلية في الريف فالناس يستعملونه منذ أقدم الأزمنة في عدد من مجالات حياتهم اليومية. ويُستعمل "البوست" أيضاً في المنازل كنوع من الزينة، إذ يتم تعليقه على جدران المضافات الشعبية أو غرف الضيوف كنوع من الرفاهية، وفي مجال الزينة يفضّل الناس "البوست" الذي تتداخل فيه ألوان الأبيض والأسود والبني

الشخص الذي يقدم على ذبح الحيوان يكون خبيراً بعمليتي الذبح والسلخ معاً، ويُسمى هذا الشخص شعبياً "ذبّاح القرابين" ومهنته هذه قديمة في المنطقة إذ يتوارثها الأبناء عن آبائهم وأجدادهم.

تحضير البوست منزلياً

يقوم ذبّاحو القرابين بالتجول على جميع بيوت القرية خلال أيام عيد الأضحى، وكذلك على البيوت التي تقام فيها مناسبات الأعراس والولائم والعزائم ليقوموا بذبح الخراف وسلخ جلودها وذلك بشكل متقن».

وتابعت: «بعد أن يقوم "ذبّاح القرابين" بسلخ الجلد عن الحيوان ودون أن يحدث فيه أي ثقب تتسلمه امرأة مسنة غالباً لتقوم بمهمتها في تحضير "البوست"، حيث تقوم بدايةً بتمليح الجلد بكمية كبيرة من الملح لأن الملح يخلّص الجلد من الدهون المتبقية والرائحة الكريهة كما يساهم في شد الجلد وتنشيفه. وبعد مرور أسبوع على تمليح الجلد تصبح قطع الدهون العالقة به يابسة وجافة لذا تقوم المرأة المسنة بنزعه بواسطة سكين حادة، ومن ثم تقوم بغسل الجلد بالماء والصابون جيداً، ثم تستعمل مادة "الشبّة" بعد طحنها في الهاون وخلطها باللبن وتدهن الجلد بذلك المزيج، لأن هذا الإجراء يجعل لون "البوست" ناصع البياض كما يقضي على أية رائحة غير مستحبة باقية على الجلد، كما يشده ويمتنه. وبعد مضي أسبوع على هذه العملية تقوم السيدة بغسل الجلد بالماء الساخن والصابون، ثم تعصره بطريقة اللف المتعاكس وبعد تنشيفه تحضر عصا وتضرب بها الجلد من طرف الصوف حتى ينفش.

عباءة الراعي المصنوعة من البوست

قبل حوالي 50 عاماً كانت هناك طريقة أقدم لتنظيف "البوست" وذلك باستعمال قشر الرمان ومنقوع خشب السنديان بدلاً من الصابون و"الشبّة" وغيرها».

وحول استعمالات "البوست" منزلياً ووظائفه قالت السيدة "حميدة مصطفى" من "جنديرس": «في كل بيت من بيوت "الريف الشمالي لحلب" يوجد بوست أو بوستين تم صنعهما محلياً من قبل النسوة وخاصة المعمرّات منهن، فهن خبيرات بتحضير مثل هذه المواد التقليدية.

البوست ملبوس القشمر في أعراس عفرين

إن تحضير "البوست" صناعة تقليدية منزلية في الريف فالناس يستعملونه منذ أقدم الأزمنة في عدد من مجالات حياتهم اليومية.

ويُستعمل "البوست" أيضاً في المنازل كنوع من الزينة، إذ يتم تعليقه على جدران المضافات الشعبية أو غرف الضيوف كنوع من الرفاهية، وفي مجال الزينة يفضّل الناس "البوست" الذي تتداخل فيه ألوان الأبيض والأسود والبني».

وتابعت حديثها: «لـ"البوست" وظائف طبية قديمة ومعروفة، فالشخص الذي يصاب بمرض "الديسك" أو آلام الظهر أو الرقبة كان المعالجون الشعبيون قديماً والأطباء المعاصرون حالياً يطلبون منه أن ينام على ظهره فوق "البوست"، ويبتعد عن النوم على الفرشات الصوفية وغيرها. وله أهمية في الريف ليصلّوا عليه، فمعروف عن "البوست" أنه أقدم أنواع المصليات لأنه مفيد للمصلي الذي يعاني من آلام في ركبته فصوفه الكثيف يمنع احتكاك الركبة بالأرض.

وهناك من يمد "البوست" في غرفة ضيوفه للجلوس عليه وخاصة خلال فصل الشتاء فهو يمنح الحرارة والدفء والجلوس المريح وخاصة بالنسبة للأطفال».

وختاماً، قالت: «قبل حوالي نصف قرن من الزمان كان "البوست" من أفضل الهدايا التي تقوم بصناعتها المعمرّات لإهدائها إلى بناتها و"كناتها" وخاصة اللواتي يعشن في المدن. كما كان الرعاة في تلك الفترة يستعملون "البوست" في صناعة ألبستهم الخاصة وأهمها "عباءة الراعي" لحمايتهم من البرد القارس خلال تجوالهم في الجبال والوديان في فصل الشتاء، وأفضل "بوست" يستعمله الرعاة هو "بوست الحمل".

كما يرتبط "البوست" بطقوس الأعراس التقليدية في منطقة "عفرين" إذ يلبسه أحد الأشخاص المعروفين بخفة الدم بعد أن يدهن يديه ورجليه ووجهه بهباب الفحم ليأخذ دور "القشمر" في تلك الأعراس، و"القشمر" مسرحية تمثيلية فكاهية تُقام في أعراس المنطقة بهدف إضفاء روح الدعابة والمرح عليها».