يستخدم الناس في "ريف حلب الشمالي" ثمار أشجار "البطم" وخشبها في العديد من وجباتهم وأدواتهم الخشبية الشخصية.

في "جنديرس" من "ريف حلب الشمالي" التقت مدونة وطن "eSyria" السيدة "نازلية حمو"؛ التي حدثتنا عن حضور ثمار هذه الشجرة في حياة النسوة اليومية وخاصة في مطابخهن، وذلك بتاريخ 21 كانون الثاني 2014، قائلةً: «تنبت أشجار "البطم" برياً في المناطق الحراجية ضمن غابات كثيفة دون تدخل يد الإنسان في زراعتها، وتعطي هذه الأشجار ثمارها ضمن عناقيد وذلك خلال فصل الخريف ويكون لون الثمار أحمر في بداية تشكلها لتصبح خلال نضوجها خضراء اللون، إن هذه الثمار ذات طعم طيب ولذلك فهي تدخل في تركيب العديد من الوجبات الريفية فتمنحها نكهة خاصة ومميزة».

إن الفلاحين في المنطقة يقومون بإكثار أشجار الفستق الحلبي من خلال تطعيمها بشجرة "البطم"؛ فهذا الإجراء هو من أفضل الإجراءات لإنبات شجرة "الفستق" وإكثارها

وأضافت: «تستخدم النسوة في "ريف حلب الشمالي" عموماً ثمار "البطم" في إعداد "الزعتر البلدي" الذي يتم تحضيره يدوياً وبشكل تقليدي في المنازل، حيث يتم قطف الثمار وهي على شكل حبيبات العدس وجلبها للبيت ووضعها تحت أشعة الشمس مدة يومين ومن ثم نزع الحبيبات عن عيدانها وطحنها بواسطة الطاحونة المنزلية البازلتية وتحميصها مع: (البرغل والحمص والسماق ومسحوق الكعك والجوز واللوز والسمسم)، فتصبح جاهزة لتناولها، ثمار "البطم" المطحونة تمنح "الزعتر" المنزلي نكهة مميزة وطيبة جاذبة لجميع أفراد الأسرة وخاصة الأطفال منهم.

تحضير الزعتر منزلياً

إن أهم ما يميز "ريف حلب" هو "الخبز ببطم" وهو قديم وتراثي ويتم إعداده بطريقتين: في الأولى يتم تحضيره في التنور، وهو خبز معجون بالبطم أي أن عجينه مكون من ثمار "البطم" بعد طحنها، بعد الانتهاء من تحضيره تقوم النسوة اللواتي يعددنه بدهن الأرغفة بالزيت ومن ثم رش النعناع اليابس المطحون أو الأخضر عليه، وكذلك وضع قطع من البصل المفروم والمقطع فوقه وتناوله.

أما في منطقة "عفرين"، فتستخدم النسوة ثمارها في بداية نموها في فصل الربيع عندما تكون صغيرة وعلى شكل مسحوق أبيض، حيث يتم جلب هذا المسحوق إلى المنازل واستخدامه في تحضير "الخبز ببطم" الذي يسميه أهل المنطقة "بزلمة"؛ وذلك بخلطه مع الماء وإضافة قليل من الملح إليه وعجنه، ومن ثم صنع كرات عجينية بحجم كف اليد وترقيقها على التخت الخشبي وتسطيحها بواسطة عصا ملساء ومن ثم شيها على النار وتناولها».

العم خليل فرخو

أما العم "خليل فرخو"، فقال متحدثاً: «ثمار "البطم" من الثمار غالية الثمن التي يقوم الكثيرون أهل الريف بقطفها وتنظيفها وبيعها في مدينة "حلب"؛ حيث يقوم بشرائها "القضيماتي" وتمليحها وعرضها للبيع في "سوق العطارين" بـ"حلب" لأهالي المدينة.

عدا الثمار يستخدم الناس خشبها في صناعة مشارب الدخان الشخصية لكونه من النوع المتين وذا رائحة طيبة، كما يصنع القرويون مسلات من خشبها القاسي لخياطة الأدوات المصنوعة من جلد الحيوانات، مثل: عباءات الرعاة، والسجاد، وغيرها».

بيع البطم الريفي في سوق العطارين

وأضاف: «في منطقة "عفرين" يسمي الناس شجرة "البطم" باسم محلي هو "بنيشتوك"، ويعني "شجرة العلكة" لأن هذه الشجرة تفرز مادة صمغية بيضاء، وهذه المادة تُباع أيضاً في "سوق العطارين" بـ"حلب"، ولها نوعان: النوع الأول يسمى "العلكة البلدية" وطعمه حلو وهو رخيص السعر يشتريه الناس وخاصة "البدو" و"القرباط" لعلكه.

أما المر منه فكان "البصمه جي" يستخدمه قديماً؛ وذلك بتمييعه في الماء المغلي ثم يغمس في هذا المائع قالباً يرقمه على النسيج الأبيض، ثم يقوم بصبغ هذا النسيج لتبقى محل هذه الرقمة بياضاً؛ لأن "العلك" يكون قد تجمد ومنع الاصطباغ العام للنسيج».

وقال العم "خليل": «أهالي "عفرين" خصوصاً يستخدمون رؤوس الأغصان الطرية لأشجار "البطم" التي تظهر في بداية فصل الربيع في إعداد سلطة لذيذة وطيبة المذاق، وهي من الوجبات الشعبية القديمة التي كان الفلاحون والرعاة يعدونها خلال استراحات العمل الزراعي والرعوي؛ وذلك بتقطيع الأغصان وخلطها مع الثوم الأخضر والفليفلة المطحونة وقليل من عصير الحصرم وتناوله، وهي وجبة طبيعية وصحية ولذيذة».

وختم: «إن الفلاحين في المنطقة يقومون بإكثار أشجار الفستق الحلبي من خلال تطعيمها بشجرة "البطم"؛ فهذا الإجراء هو من أفضل الإجراءات لإنبات شجرة "الفستق" وإكثارها».