تقابلت مع شخص لأول مرة... كلاكما من طبيعتين مختلفتين سواء أكانت عمرية أم اجتماعية أم حتى من مدينتين أم من دولتين مختلفتين... كيف ستتعامل معه؟ كيف ستتواصل معه دون أن يساء فهمك وبطريقة تضمن أن يوافق عليها؟ هذه التصرفات وهذا التواصل يعرف بين الناس باسم "الإتيكيت"...

"الإتيكيت" كما تقول السيدة "هاسميك قيومجيان" اختصاصية بعلوم الإتيكيت: «الإتيكيت هو عقد أو قانون غير رسمي بين البشر لكي يتمكن الشخص من معرفة ما له وما عليه. وبعكس الشائع فإن الإتيكيت لا يرتبط بطبقة اجتماعية معينة بل هو يشمل كل سكان هذه المعمورة لأنه عبارة عن قواعد أبجدية للتصرف، وهو معرفة كيف نتعاون مع الآخرين وكيف نتواصل معهم دون مبالغة، وكيف نتفاعل مع الناس بطريقة لبقة. يمكننا أن نقول بأن الإتيكيت هو عبارة عن رسم حدود غير مرئية يتصرف بها الشخص مع الآخر بطريقة تضمن المحافظة على علاقة جيدة معه».

تغيرت فكرتي تجاه فكرة الإتيكيت حيث كنت أظن أنه خاص بمجتمع معين وفئة معينة، إلا أنني اكتشفت أنه يتعلق بقواعد التصرف أكثر

والسيدة "هاسميك" اختصاصية في مجال الإتيكيت والبروتوكول ولها عدد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية التي تتحدث عن توعية الإنسان وتقديم الطريقة التي يمكنه فيها عيش حياته بتوازن وتتابع بالقول:

الشابان "أيهم سردار" و "محمد حمرة"

«إن أهم عامل في موضوع الإتيكيت هو اللطافة والكياسة واحترام العادات والتقاليد للمجتمع والآخرين، واحترام القواعد وعدم إزعاج الآخر من خلال أصوات أو حركات».

وتضيف بأن قواعده عالمية ومعروفة؛ منها احترام الأكبر عمرا وقدرا وخبرة، والتقيد بآداب الحديث والسير؛ كما أن من القواعد التي يتحدث عنها أيضا هو أن يمشي الكبار قرب الحائط في حين يمشي الشبان على الطرف الأقرب للشارع؛ السبب لكي نترك الحائط لكبار السن لكي يستندوا عليه عند الحاجة. كما أن الطرف المجاور للحائط مخصص للأطفال ولمن يمشي ببطء، والعادة جرت بأن يترك للسيدات لكي يتفرجن على واجهات المتاجر أيضا.

اهتمام متزايد من الشباب لتعلم أصول "الإتيكيت"

وتتابع: «من المتفق عليه أيضا مراعاة القواعد الاجتماعية الخاصة بالعادات والتقاليد. مثلا في حال قابلنا أناسا يجلسون على الأرض، فيجب علينا احترام هذا الموضوع والجلوس على الأرض بدورنا لا أن نطلب كرسياً. وإذا وجدنا أناسا يأكلون بيدهم فعلينا مراعاة ذلك نحن أيضا ولا نطلب الشوكة والسكين! أي يجب علينا أن نتكيف مع أهل المكان الذي نقدم إليه ولا نكون مختلفين عنهم لمجرد أننا "نطبق الإتيكيت"!».

أما عن تاريخ هذا الفن فتقول بأنه بدأ منذ أيام ملوك فرنسا وتحديدا في فترة "لويس الرابع عشر" مستندة إلى قصة تروى عن الملك وهي:

«كان لدى الملك لويس الرابع عشر ضابط مريض، فذهب الملك لزيارته. ولكن عندما وصل إلى المكان اكتشف بأن الضابط لا يمكنه الجلوس لاستقباله وبأنه من الضروري أن يبقى مستلقيا. ووفق قواعد الإتيكيت فلم يكن مقبولا أن يستلقي الضابط فيما الملك واقفا أو جالسا، فكان الحل يتمثل في استلقاء الملك بجانبه والتحدث معه مستلقيا لكي يكونا على نفس السوية ويحافظان على مستوى المكالمة!».

وتقول بأنه في تلك الأيام، عند دعوة شخص للبلاط الملكي لأول مرة، كان حجّاب البلاط يقدمون له "بطاقة" فيها تعليمات التعامل ضمن المناسبة أو مع الملك أو مع النبلاء، أو قواعد السلوك في حالة العشاء الدبلوماسي، مضيفة بأن الاسم "الإتيكيت" جاء من كلمة "بطاقة" باللغة الفرنسية. بعدها تحولت هذه الورقة إلى كتيب صغير يتم وضع قواعد التصرف العامة فيه، وهكذا تحول هذا الكتيب الصغير إلى كتيب أكبر، وأضيفت الكثير من القواعد الحياتية إليه، مثل العادات والتقاليد لكل دولة أو إقليم وعلى الناس التعرف عليها واتباعها في حال زيارتهم لتلك الدولة.

وتضيف: «هناك "الإتيكيت" الذي هو القواعد العامة للتصرف ولكل الناس، وهناك "البروتوكول" والذي هو التصرف في الوضع الدبلوماسي أو ضمن الطبقة الملكية أو المخملية وحتى العسكرية، كطريقة تحية القادة والملوك والتصرف في حالة المناسبات الدبلوماسية. وبالنسبة للبروتوكول فهو إجراءات مفروضة على جميع الناس مثل طريقة مناداة الملك أو الضابط الأعلى رتبة في الجيش وما شابه ذلك».

وتضيف السيدة "هاسميك" أن من قواعد الإتيكيت أيضا جلوس ضيف الشرف على الطرف الأيمن وراء السائق، ودخول الرجل قبل السيدة في الأماكن ضعيفة الإضاءة في حين يجب على السيدة الدخول أولا في الأماكن المكشوفة الواضحة التي فيها أمان. وأيضا احترام الشخص لحدوده ومعرفة أن حريته تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين. كما أن من القواعد الذهبية في موضوع الإتيكيت قاعدة "المتكلم الجيد هو مستمع جيد" وغيرها الكثير.

"الإتيكيت"... بين المعرفة والتعلم...

تقول السيدة "عابدة عبد الجبار" المدربة في مجال الإتيكيت والبروتوكول بأن الاهتمام في موضوع الإتيكيت زاد خلال السنوات الخمس الأخيرة مع انفتاح سورية على العالم واستقبالها للوفود الأجنبية: «منذ خمس سنوات مثلا، كان العديد من الناس جاهلين بموضوع "الإتيكيت" وهذا الأمر تغير مؤخرا مع قيام عدد من الجهات بإقامة دورات فيه مثل غرف الصناعة والتجارة. ومن ناحية أخرى فإن هناك شريحة الشباب التي بدأ اهتمامها بهذا الموضوع يتنامى مؤخرا بشكل كبير لسبب يعزى إلى حبهم للتعلم وتحسين أنفسهم».

من جهته يقول الشاب "أيهم سردار" الذي كان موجودا في محاضرة أقيمت عن الإتيكيت مؤخرا في أحد المعاهد الخاصة في "حلب" بأنه لم يكن يدري أن أغلب تصرفاته كانت تندرج تحت فن الإتيكيت، وبأنه كان يظن البروتوكول هو نفسه الإتيكيت:

«تغيرت فكرتي تجاه فكرة الإتيكيت حيث كنت أظن أنه خاص بمجتمع معين وفئة معينة، إلا أنني اكتشفت أنه يتعلق بقواعد التصرف أكثر».

أما الشاب "محمد حمرة" فيقول بأنه كان يظن أن هذا الفن هو حكر على الطبقات المخملية في حين اكتشف أن الإتيكيت يمثل الفطرة وقواعد التصرف الأساسية مضيفا أنه اكتشف أن 75% من تصرفاته تندرج تحت فكرة "الإتيكيت".

الرغبة في التعلم كانت الحافز لدى الشاب "باسل لحموني" لحضور إحدى ورشات العمل التي تتحدث عن الإتيكيت حيث قال لنا:

«قررت حضور إحدى ورشات العمل التي تتحدث عن الإتيكيت انطلاقا من رغبتي بمعرفة قواعد التصرف في المناسبات المختلفة، واكتشفت من خلال الورشة أن الكثير من تصرفاتي كانت جزءا من الإتيكيت مثل التعامل مع الناس باحترام، وعدم رفع صوتي في وجوههم، كما أنني اكتشفت في الوقت نفسه حاجة كثيرين لتعلم ذلك أيضا!».

"الإتيكيت" هذا الفن الذي كان لفترة من الفترات حكرا على فئة معينة وطبقة اجتماعية معينةـ في نظر كثيرين!ـ أصبح الآن حاجة ملحة وضرورة كبيرة لكافة فئات المجتمع، فهو الضمانة التي تؤدي إلى أن يكون التعامل البشري في أسمى صوره، وهو اللغة المشتركة التي لا يختلف عليها اثنان من شرق المعمورة إلى غربها.