على بعد أربعين كم من جهة الشرق لمدينة "حلب"، وبالقرب من مدينة "السفيرة"، تقع "سبخة الجبول" ذات الجمال المائي الأخاذ، والتنوع الحيوي والبيئي الكبيرين بما تحتويه من طيور نادرة وأسماك متنوعة، والعنصر الأهم يكمن في الأملاح التي تشكل ثروة اقتصادية.

يحيط ببحيرة "الجبول" عدة قرى أهمها: "حقلة" و"أم عامود" و"المويلح" و"خساف"، يبلغ طول البحيرة أربعين كم، حيث تمتد من قرية "الجبول" شمالاً وحتى قرية "رسم النفل" جنوباً، وعرضها حوالي 13 كم، أما مساحتها فتقدر بحوالي 260 كم، وبعمق يتراوح بين 20 سم و160 سم، في حين أن ارتفاعها عن سطح البحر يبلغ حوالي 312 م.

إن بحيرة "الجبول" تعد من أكثر المواقع البيئية اهتماماً من قبل الباحثين والمهتمين بالموارد الطبيعية في محافظة "حلب" بما تمتلكه من خصائص فريدة في التنوع الأحيائي على مستوى التجمعات النباتية المتحملة للملوحة، والكائنات الحية المائية التي تعيش في المياه المالحة، بالإضافة الى استقطابها مجموعة من الطيور الفريدة التي يمكن ان تعتمد في غذائها على منتجات البحيرة في بعض أشهر السنة

يحدد الدكتور "محمد الخلف" الأستاذ في كلية الزراعة بجامعة "حلب"، والمختص بالحياة البرية والأسماك والتنوع الحيوي، تاريخ البحيرة بالعام 1982 حيث «تشكلت من الجهة الشرقية ومن مياه "معمل السكر" في "مسكنة"، وفي عام 1989 من الشمال من خساف نتيجة صرف مياه غسيل الأراضي، وقبل ذلك كانت السبخة جرداء يتخللها بعض بقع المياه بالشتاء تحوي بعض الحيوانات التي تقصدها طلباً للراحة، أما الآن فهي مركز حيوي مهم للحياة البرية والطيور النادرة التي أصبحت تبيض وتتكاثر فيها وكذلك الاسماك، هذه المحمية مدرجة في قائمة الأراضي الخصبة الرطبة ضمن اتفاقية "رامسار" الدولية للأراضي الرطبة، والتي انضمت إليها "سورية" عام 1998 وصنفتها من المحميات الطبيعة المنتشرة في "سورية"، حيث إن الجزء الشرقي من السبخة ضحل ويستخدم كمملحة بعد جفاف مياها في أواخر الصيف وهو يعدُّ مورداً اقتصادياً هاماً لسكان المنطقة وتسمى بسبخة "الجبول" نظراً لوقوعها ضمن منطقة غنية بملح كلوريد الصوديوم، وينمو فيها أكثر من خمسين نوعاً من النباتات الملحية على شواطئها وداخل الجزر».

هجرة الطيور النادرة الى البحيرة

البحيرة هي الوحيدة في الشرق الأوسط بطبيعتها الرطبة ودرجات الحرارة التي تتميز بالتفاوت الشديد ما بين الصيف -تصل إلى أربعين درجة مئوية- والشتاء -تصل إلى 3 تحت الصفر-، وهي تمتلك تنوعاً حيوياً نادراً لكونها عبارة عن منخفض كانت تغذيه العديد من الأنهار الموسمية، وحينما يجف الماء تترسب بلورات الملح على شكل طبقة رقيقة على أرض قاع السبخة، وقد ذكرها "ياقوت الحموي" في معجم البلدان وكذلك بعض المؤرخين العرب، وبسبب التلوث أصبحت تشكل تهديداً خطيراً للطيور النادرة والأسماك -والتنوع الحيوي بشكل عام- التي استوطنت البحيرة في العقدين الأخيرين، وتعاني البحيرة من عدة أنواع من التلوث عن طريق مياه الصرف وتسليط المجارير والمعامل الكيميائية ما يجعل الملح المستخرج ملوثاً وغير صالح للطعام في الأماكن التي يصلها الصرف الملوث، عدا عن أثر التلوث على الأسماك والطيور والبيئة.

أما بالنسبة للطيور والحيوانات الموجودة في البحيرة فإن الدكتور خلف يؤكد أنه" يعيش في المنطقة عدد كبير من الطيور مثل الطائر الجميل "الفلامنغو"، "البجع"، "البط"، "الأوز"، "أبو ملعقة"، "طيور الماء" ذوات اللون الأسود، "البلشون" وعدة أنواع نادرة معرضة للانقراض، والوجود الأكبر لهذه الطيور يكون خلال أشهر تشرين الثاني، كانون الأول، وكانون الثاني، ومن أهم الأنواع النادرة التي تشاهد في البحيرة "القطاط"، البط أبيض الرأس، والزقزاق الاجتماعي حيث تمّت مشاهدته لأول مرة في "سورية" ويسكن في المناطق شبه الصحراوية والسهول والحقول، وقدرت أعداد الطيور في سوريا بـ 312 نوعاً موزعة في 18 رتبة تضم 57 نوعاً، إضافة إلى 48 نوعاً استثنائياً يمر فوق الأراضي السورية بسبب الأحوال الجوية، وبذلك تصل الثروة الطيرية السورية إلى ما يقارب 360 نوعاً، كما تم اكتشاف 2400 طير من البط في "سبخة الجبول"، وأيضاً وصلت أعداد طائر "الفلامنغو" في عام ألفين إلى 15 ألف طائر قرابة 1500 طير من "الفلامنغو"، وهناك أكثر من ألف طير من "البط الأبيض" وبحدود عشرة آلاف من طير "أبو مروحة"".

الدكتور الباحث "محمد الخلف"

وما يهدد التنوع الحيوي في الجبول إلى جانب التلوث هو الصيد الذي يحدث بلا ضابط ومعيار للنوع والزمان وطريقة الصيد، حيث يقوم الصيادون بصيد الطيور بالبنادق ذات الأعيرة المختلفة دون الأخذ بالاعتبار المضار الناتجة عن ذلك، وهي قتل نسل من الطيور النادرة والغالية الثمن والفريدة في نوعها ما يؤدي إلى هجرتها سريعاً، ومن كنوز البحيرة أيضاً الأسماك المتنوعة مثل "الكرسين"، "الجري"، "البوري"، "الرومي"، وأنواع أخرى لذيذة الطعم وغالية الثمن.

فيما وصف مدير البيئة في محافظة "حلب" المهندس "محمد سعيد النفوس" السبخة «بالثروة ذات الجدوى الاقتصادية التي يجب المحافظة عليها وضرورة إقامة مشاريع تنموية ومحطات لمعالجة التلوث، فالملح المستخرج حالياً، والذي يباع بالأسواق غير صالح للاستخدام في الطعام، ويضيف: «البحيرة تتبع لخمس جهات إشراف هي: وزارات (الإدارة المحلية والبيئة، النفط، الزراعة، الثقافة، والسياحة) وتعدُّ من المحميات الطبيعية التي تحافظ على التنوع الحيوي وخاصة الطيور والنباتات، والأهم هو أن الطيور تستخدم البحيرة كمحطة استراحة لها لرحلتها نحو الجنوب والشمال وبالعكس، وقد تستقر إذا وجدت الأجواء المناسبة لها وأهمها توقف الصيد الجائر، وتهدف وزارة "الإدارة المحلية والبيئة" مع جهات الإشراف الأخرى للحفاظ على النظام البيئي لحماية الإنسان، بحيث تكون هناك منفعة متبادلة من قبل المجتمع المحلي، لتشجيع الصناعات اليدوية مثل الليف والمجسمات والقبب الطينية التي تحاكي طبيعة هذه المنطقة، مع ضرورة الترويج السياحي والإعلاني لتشجيع السياح لزيارة البحيرة بعد توفير البنية التحتية الحقيقية لجذب السياح من خلال بناء فنادق ومطاعم وحمامات وعربات هوائية وشبكة طرق سهلة».

خريطة سبخة "الجبول"

أما الدكتور "حسام بهلوان" من كلية الزراعة " فأكد على أهمية السبخة من عدة جوانب أهمها الموقع الجغرافي والتركيب الفيزيوغرافي، فهي تحتل الجزء الجنوبي من حوض "الفرات" الأعلى، وتستقبل مياه الصرف الزراعي الحاوية على مختلف الملوثات الكيميائية الناتجة عن استخدام الأسمدة الكيميائية والمبيدات في الأراضي الزراعية المتاخمة، حيث تقع البحيرة على تخوم البادية السورية، وتحتل موقعاً جغرافياً مميزاً، وتتجمع المياه في السبخة خلال فصل الشتاء وتصل إلى أعلى مستوى في شهري آذار ونيسان، ثم لا تلبس أن تعود المياه بالانحسار مع دخول أشهر الصيف، حتى إن الاراضي المتاخمة للبحيرة تتحول في أشهر الصيف الى سبخة ملحية ناصعة البياض. ويعتمد معظم سكان القرى المحيطة بالسبخة على استخراج ملح الطعام كأحد مصادر الدخل لهم، ولكن يخشى من وجود الملوثات في الملح الجبولي، وهذا بحاجة إلى رقابة ومتابعة من قبل الجهات البحثية والبيئية للوقوف على مدى صلاحية استخدامه في الصناعات الغذائية».

وأضاف د. "بهلوان": «إن بحيرة "الجبول" تعد من أكثر المواقع البيئية اهتماماً من قبل الباحثين والمهتمين بالموارد الطبيعية في محافظة "حلب" بما تمتلكه من خصائص فريدة في التنوع الأحيائي على مستوى التجمعات النباتية المتحملة للملوحة، والكائنات الحية المائية التي تعيش في المياه المالحة، بالإضافة الى استقطابها مجموعة من الطيور الفريدة التي يمكن ان تعتمد في غذائها على منتجات البحيرة في بعض أشهر السنة».