حبها للقراءة صقل موهبتها الأدبية، وبالكتابة استطاعت أفكارها أن تشق طريقها للتحرر من التقاليد والموروث الاجتماعي السائد في المجتمع، وحاولت أن تكون صوت حال المرأة من خلال حروفها وكلماتها؛ إنها الشاعرة "فاتن بابللي".

«الشعر بالنسبة لي هو الشعور الذي ينتابني تجاه الكون، ورؤيتي التي أقدمها بمزيج متناغم يحمل في طياته الأسلوب والمشاعر والروح لأترجمها إلى كلمات تعتمد الإيقاع والعاطفة والخيال، أما القصيدة، فهي حالة عميقة لفكرة وروح الشاعر التي تظهر في صور شعرية تتسم بالكثافة والشفافية بآن واحد». هذا ما بدأت به الشاعرة "فاتن بابللي" لمدونة وطن "eSyria" عندما تواصلت معها بتاريخ 11 تشرين الثاني 2017، لتتحدث عن مسيرتها الأدبية بالقول: «بدأت محاولاتي الأدبية مبكراً، فمنذ الطفولة كنت مولعة بكتابة مواضيع التعبير التي تميزت فيها بمراحلي الدراسية، وكانت معلمتي تتابعني بإعجاب، وفي المرحلة الثانوية اطلعت على مقامات "بديع الزمان الهمذاني"، وقرأت كتابات "جبران خليل جبران"، وتأثرت كثيراً بوجدانياته وتأملاته، إضافة إلى العديد من كتب الأدب العربي والعالمي والكتب الفلسفية وعلم النفس التي اطلعت عليها وأغنت تجربتي الأدبية، وأضافت إليها الشيء الكثير. والقراءة بالنسبة لي هي النافذة لتكوين رؤيتي وأسلوبي في الكتابة، وكان لها دور كبير في تعلقي بالأدب وإتقاني له، وبدأت البحث عما يغني ويصقل موهبتي ويضعها في المسار الصحيح، فدرست بجامعة "حلب" اللغة العربية باعتبار اللغة بحراً يجب أن أستزيد منه كلما سنحت لي الفرصة، لأنهل من بحورها والتأمل في معاجمها وقواميسها التي أضافت إلى كتاباتي الكثير من الصور الشعرية المكثفة بمعانيها وتعابيرها النفسية، وجعلتني أكتشف مفاتيح اللغة وغناها وتأثيرها، والالمام بكافة الجوانب الأدبية التي تغني أسلوبي ككاتبة. بداياتي بكتابة الخواطر كانت بالنسبة لي المرآة التي تعكس الحالات الإنسانية التي أمر بها وتؤثر فيّ، فبدأت أول خطواتي في هذا المجال فعلياً في المرحلة الجامعية، حيث قمت بنشر كتاباتي في صحيفة "الجماهير":

الشعر بالنسبة لي هو الشعور الذي ينتابني تجاه الكون، ورؤيتي التي أقدمها بمزيج متناغم يحمل في طياته الأسلوب والمشاعر والروح لأترجمها إلى كلمات تعتمد الإيقاع والعاطفة والخيال، أما القصيدة، فهي حالة عميقة لفكرة وروح الشاعر التي تظهر في صور شعرية تتسم بالكثافة والشفافية بآن واحد

"من زمن جميل أتيت

سجينة حرف ملء الدمع

وتنأين رفقاً بقلبك

من الزوايا المظلمة

تجول روحك في الأرواح"».

وتتابع: «في بداية الأمر أثرت البيئة في أسلوبي بالكتابة سلباً من حيث هيمنة التقاليد والموروث الاجتماعي، فكنت أشعر بأن كلماتي مغلولة بقيود ولا تجاري تحليق أفكاري، وأحياناً كنت أستبدل مفردة بأخرى لتوجس في نفسي أنها غير لائقة اجتماعياً، لكن مع التعمق وممارسة الكتابة استطعت الانفلات من هذه السطوة لأكتب بحريتي، فمن خلال كتاباتي لم أفكر في كتابة الشعر الموزون، ولن أفكر مطلقاً أن أبحث لكلماتي عن ضوابط؛ وهذا ما دفعني إلى كتابة القصيدة النثرية؛ لأنها تسعى إلى التخلص من قيود نظام العروض في الشعر العربي، والتحرر من الالتزام بالقواعد الموروثة من القصائد التقليدية، كما أنني أؤمن بأن للنص موسيقا داخلية يمنحه إياها الكاتب من روحه وشعوره، ويتمكن من خلقها بنضجه الشعري والعمل على غنى مفرداته، فالكتابة تبدأ عفوية تولد الفكرة في أذهاننا أو موقف ما يخلق شعوراً في أرواحنا، ليبدأ القلم تلقائياً يبحث عن مفرداته، ثم تتحول الكتابة إلى حالة قصدية يتشارك فيها الشعور والخيال والأسلوب فيأتي نص مؤثر، أضف إلى أن الأجناس الأدبية لا تنفصل انفصالاً تاماً عن بعضها».

وعن الأجناس الأدبية التي تشعر بالراحة في التعامل مع مفرداتها، أضافت: «في الحقيقة لم أعتمد في كتاباتي نوعاً أدبياً معيناً، وإنما تنوعت أعمالي الأدبية ما بين القصيدة الشعرية والقصة القصيرة والومضة، وكان لدي تجربة غنية في دراسة الكثير من النصوص الشعرية والنثرية لأدباء سوريين وعرب في المنتديات الأدبية عبر شبكة الإنترنت، أضف إلى أن معظم كتاباتي تناولت مواقف الإنسان وردوده المختلفة إزاء القضايا الاجتماعية، وخصوصاً المرأة وعالمها الروحي وتناقضاتها ومزاجيتها، فمن خلال كتاباتي أردت أن أكون سفيرة لقضايا المرأة للوقوف إلى جانبها في مواجهة تحديات وصعوبات المجتمع والتعريف بحقوقها».

وعن الملتقيات الأدبية ومدى انسجامها وفعاليتها، قالت: «تعد الملتقيات والمنتديات الأدبية والثقافية منابر إعلامية مهمة لنشر أفكار ونتاج الأدباء، فوجود الشاعر ضمن وسط ثقافي وبيئة أدبية يغني تجربته الشعرية ويحفزه على الكتابة، وخصوصاً في أيامنا هذه، حيث أصبح التواصل أسهل من خلال شبكة الإنترنت، ووجود المنتديات فرصة رائعة لكل الأدباء والشعراء للاطلاع على نتاجهم وتبادل الأفكار التي تغني تجربتهم الأدبية وتطورها».

شهادة تقديرية من المركز العراقي للأدباء والكتاب

الأديبة "ندى عادلة" تحدثت عن شعر "بابللي" بالقول: «هي امرأة الصحوة، تذهب في شعرها نحو النور والمستقبل بعقل ناضج أكاديمي، وموهبة فذة قادرة على التحرك والتجديد في مواجهة قضايا العصر والإبداع، أضف إلى أن النص الحديث يتطلب ناقداً وأدوات قراءة موضوعية، فهي تستطيع أن تدخل إلى النصوص بوعي وامتلاك معرفة فكرية وثقافية لتفكيك بنيته، فقد استطاعت أن تسجل حضوراً مميزاً على مواقع الأدب ومنابر الأصوات الشعرية، وملامسة الأعمق والأجمل.

عرفتها من خلال رسالة القلم، كما أنها وطنية الهوى تلفحنا بحرارة الحب، وتعرف أين ومتى وكيف تستحضر الرؤى لتنسج عليها الحدث الشعري المبني على الإيمان».

يذكر أن الشاعرة "فاتن بابللي" من مواليد "حلب" عام 1976، خريجة أدب عربي بجامعة "حلب"، لديها ديوان "الأنثى"، والعديد من المنشورات في صحف عربية ومحلية.