بقيت تبوح للورق بأسرارها، إلى أن ضاق جمالاً بها؛ فآثرت أن تخرجه إلى النور، لتفاجئ بثمانين قصيدة عاشت حبيسة الأوراق والحبر.

هي الشاعرة "رنا يازجي" التي التقتها مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 11 تشرين الثاني 2014، لتحدثنا عن أصول تجربتها الشعرية، فقالت: «بدأ نتاجي الأدبي يرى النور مع بزوغ براعم أنوثتي، فكنت أحول أحاسيسي ومشاعري ودهشتي الأولى إلى قصاصات ورق خجولة مخبأة، وشيئاً فشيئاً أصبحت هذه القصاصات تمثل بالنسبة لي الهوية والمنفذ نحو البوح، ضمن بيئة ترعى الأدب والثقافة، إلى أن توجت بديواني الأول الذي حمل عنوان: "نفحات من عطر أنثى".

من المهم جداً تشجيع هذه الموهبة الشابة لتستمر، وتعبر عن نفسها بجرأة أكثر، فنحن نفتقر جداً لما يمكن أن يسمى بالأدب الأنثوي، أما ما قدمته من نصوص فهو جميل بصوره وتحليقه في سماء الخيال، على الرغم من محافظته على البساطة التي تعد -برأيي- سر الجمال

إذ بدأت الكتابة حين كنت في الصف السابع، إلا أنني لم أكن أجرؤ أن أري كتاباتي لأحد سوى لإحدى صديقاتي في المدرسة، ومع مرور الوقت أصبحت أكثر شجاعة وبدأت دائرة قرائي تتسع عندما وجدت قبولاً من المحيط، فبدأت نشر خواطري الشعرية في جريدة "الجماهير" الحلبية، واستمر ذلك على مدى أربع سنوات، فكانت تجربة مفيدة جداً بالنسبة لي، خاصة حين بدأت ألمس تفاعل القراء مع النصوص، أما مشاركاتي فكانت في عدة ملتقيات مشتركة، وثلاث أمسيات أحييتها منفردة، الأولى في المركز الثقافي في "مرمريتا"، والثانية في ثقافي "الناصرة"، والأخيرة في مقهى "أثر الفراشة" الثقافي بـ"حلب"».

غادة اليوسف

وعن كتابها الجديد تكمل "يازجي": «عندما قررت أن أطبع الكتاب كان هاجسي هو إيصال أحلام هذه الفتاة المراهقة التي كنت، إلى المتلقي بطريقة مبسطة أقرب إلى الفطرة الأولى، فأردتها أن تكون عفوية وصادقة وبعيدة عن التنميق اللغوي، تماماً كما وردت في أوراقي المطوية المخبأة، ببساطة؛ بكلمات عادية يمكن أن تخطر في بال أي فتاة، فأردت لديواني الأول أن يكون صرخة مدوية تكسر الحواجز التي لطالما حالت دون تعبير الأنثى عن نفسها، نظراً لخصوصية المجتمعات الشرقية، صرخة مشاعر صادقة وجريئة بعيدة عن التعقيد، وفي نفس الوقت بعيدة عن الابتذال.

وبالفعل بدأ حلمي يتحول إلى حقيقة بسرعة، على الرغم من جميع الصعوبات التي يفرضها الواقع الحالي في البلد، وخلال خمسة أشهر حصلت على جميع الموافقات اللازمة لكي يخرج كتابي الأول إلى النور.

غلاف ديوانها البكر

والكتاب عبارة عن ثمانين قصيدة كل منها نفحة عبق خرجت من روحي، على أمل أن تصل إلى أرواح القراء وتترك فيها أثراً لطيفاً، ولها بعد ذلك أن تبقى أو تتلاشى».

أما المفارقة اللطيفة فكانت في غلاف الكتاب؛ تضيف متحدثة عنه: «اخترت اللون السماوي الهادئ، لأن السلام الذي يحتويه يحاكي أفكاري ومشاعري بقوة، ويكاد أن يمثلها كلياً، أما عن الرسومات المتواجدة عليه فهي بريشة صديقتي القديمة؛ تلك الي كانت مصبَّ بوحي الأول، فعندما جمعت قصائدي وقررت أن أطبعها في كتاب لم أجد من هو أقدر منها على فهم ما أريد قوله، فكان هذا الرسم انعكاس الوحي الذي خلفته كلماتي لديها».

وفي حديث مع السيد "قاسم البصري" أحد متابعي "يازجي" قال: «من المهم جداً تشجيع هذه الموهبة الشابة لتستمر، وتعبر عن نفسها بجرأة أكثر، فنحن نفتقر جداً لما يمكن أن يسمى بالأدب الأنثوي، أما ما قدمته من نصوص فهو جميل بصوره وتحليقه في سماء الخيال، على الرغم من محافظته على البساطة التي تعد -برأيي- سر الجمال».

كما تواصلنا مع الشاعرة "غادة اليوسف" التي سبق لها أن حضرت إحدى أمسيات "يازجي" فقالت: «نصوصها وجدانية، أقرب إلى الخاطرة من الشعر؛ لكنها مبشّرة إذا ما قيست بعمرها وحداثة تجربتها، ورغم ذلك أجد جملتها تكتنز شعرية مقنعة وعاطفة صادقة، تذهب مباشرة إلى وجدان المتلقي بلا تكلّف ولا ادّعاء، إلا أنني أراها قد تعجّلت في نشر نصوصها ضمن كتاب، فموهبتها مبشّرةٌ بموهبة واعدة فيما لو اشتغلت على نفسها قراءةً وبحثاً ومراناً، وأنا أحيي فيها حضورها اللطيف وإلقاءها العفوي، وخاصة النص الذي كتبته لأمّها السيدة الجميلة التي كانت تتشرّب كلمات ابنتها بروحها؛ فألفتا معاً قصيدة حقيقية، أرجو لها الاستمرار والتألق».

يذكر أن لقاءنا مع الشاعرة تم عقب أمسية لها في مقهى ومكتبة "أثر الفراشة" في مدينة "حلب". وقد حملت الأمسية اسم ديوانها "نفحات من عطر أنثى"؛ قرأت خلالها اثني عشر نصاً شعرياً قوبلوا باستحسان الحضور.

"رنا يازجي"، من مواليد مدينة "حلب" عام 1988، وهي خريجة كلية الآداب قسم الآثار؛ جامعة "حلب".