هي روائيّةٌ مُبدِعةٌ تأخذ القارئ إلى أعالي الأسطورة وقاع الواقع، محاولةً بلغةٍ شعريّةِ السّرد ابتكارَ أسلوبها الحداثويّ الخاصّ، هي الكاتبة "لميس بلال".

مدونة وطن "eSyria" التقت الرّوائيّة بتاريخ 26 نيسان 2014، وكان معها هذا الحوار:

أراها ماكرةً في سردها الرّوائيّ إلى درجةٍ نصدّق أنّها تقول الأحداث كما لو حدثت فعلاً في الزّمان والمكان، لنتخطّاه إلى واقعٍ مُوازٍ منسجمٍ مع طبيعة الفنّ الرّوائيّ، وغير خاضعٍ لجفاف الواقع الحقيقيّ؛ إذ مزجته مع الفنتازيا في رواية "الزّمن المؤنّث"، ومع الأسطورة في رواية "إذا سورية سألت". تجربتها لا تزال في بدايتها ومن الصّعب إعطاء حكم قيمةٍ عليها، غير أنّها لا بدّ ستثمر إلى شيءٍ فارق

  • لماذا اخترت الرّواية؟ وبمن تأثّرتِ؟
  • غلاف روايتها الثانية

    ** كانت البداية في لحظةٍ حاسمةٍ من طفولتي، عندما تناولتُ من مكتبةِ والدي رواية "بقايا صور" للرّوائيّ "حنّا مينا"، لأعرف كيف يمكن للحياة الواقعيّة، أو التي نحلم بوجودها أن توجد بين دفّتي كتاب، وتلا ذلك قراءتي للأديب السّوريّ نفسه حواراتٍ صحفيّة يصفُ فيها بداياته مع الكتابة، تأثّرتُ به كثيراً وأصبح حُلُمي أن ألتقيَه يوماً، وقرأتُ له لاحقاً جميعَ رواياته، واعتنقت عقيدته الأدبيّة التي كانت تتلخّص بعشقٍ لا نهائيّ للحياة، للشّغف، جمال البحر والأنثى وعظمة الرّجولة. وفي المدرسة الثانويّة كانت أمي أمينةَ المكتبة في مدرستي نفسها؛ ما فتح لي دوماً الأدراجَ والرّفوفَ وجميع أنواع الكتب، لكنّ الرّواية كانت الأجمل في ذوقي، وأصبحت قارئةً عتيدةً مع المزيد من التّشجيع من جميع معلّماتي ومعلّميّ. والسّرّ الّذي كان يشدّني للكتاب هو عشقي للحياة والسّفر والتنوّع في الوقت الذي تقيّدني فيه سنوات عمري الصّغير، وحاجاتي والمدرسة والبيت، فقرّرت أن أحلمَ في الكتاب، وكنتُ أتقمّص البطل أو البطلة، فأسافر معه وأحبّ وأغامر وأموت مراراً وأولد من جديد. أمّا أن أكتب فلم تراودني الفكرة قبل سنّ الخامسة والعشرين، فبدأت أكتبُ قصّةً قصيرة لأشتركَ في مسابقة "حنّا مينا" التي أعلنت عنها "وزارة الثقافة" في حينها، وكان اسم الأديب حافزي المُباشر لأجد نفسي أتورّط في أحداث لا تنتهي وشخصيّاتٍ مُركّبة وعوالم جميلة، وكانت بعد سنوات روايتي الأولى "الزّمن المؤنّث".

  • في الرّواية غالباً محاكاة للواقع. كيف يمكن للرّوائيّ أن ينتقل في الكتابة من مستوى الواقع إلى مستوى الأدب؟
  • الروائية لميس بلال

    ** الواقع في الأدب ركيزةٌ مهمّة. إنّه حجر الأساس الذي نبني به بيتنا، لكنّني أقول دائماً "من حيث كوني قارئة مُمتازة": إنّ تسجيل الواقع كما هو ليس أدباً، فالمهمّة الرئيسيّة للأدب التي تتوقّف عليها جودة المُنتَج الأدبيّ هي تجميلُ الواقع؛ فجدران البيت لا تبقى حجراً فقط، بل تُجرَى عمليّاتٌ تجميليّة عديدة ليكون البيت أجمل، ولا أعني طبعاً الإيجابيّة الدّائمة والفرح الأبله، بل أعني الحزن الجميل، بؤس الشّعوب وانتفاضة الأمل، دموعاً صافيةً تعكس لونَ السّماء والمروج. حتّى التعبير عن الألم الجسدي أدبيّاً بشكلٍ يختلف عنه طبّيّاً دونَ أن يخالفَه أو يغالطَه.

  • تنجح معظم الرّوايات المكتوبة بلغة شعريّة. كيف يمكن أن نفهم صعود الرّواية الشّعريّة في وقتٍ ينحسر فيه الشّعر؟
  • توقيع روايتها " إذا سورية سألت"

    ** اللغة الشّعريّة وسيلة ناجحةٌ لتجميل الواقع، إضافة إلى أنّ اللغة كعنصر مهمّ في العمل الأدبيّ تُعدّ سِمة خاصّة بكلّ كاتب، كما أنّها تتطوّر كباقي العناصر مع الأزمنة، فقد تكون اللّغة الشّعريّة في الرّواية كمثل النّثرِ في القصائد، شيئاً من الحداثة.

  • دراستك هي الهندسة الزراعية. إلى أيّ حدّ تداخلت في رسم المكان الرّوائيّ والشّخصيّات والسّرد؟
  • ** نعم درستُ الهندسة الزّراعيّة وتخصّصت في التّربة واستصلاح الأراضي، هل انعكست دراستي في بيئة أحداثي؟ ربّما، وربّما كان الرّوائيّ الحسّاس للطّبيعة وجمالها أقدرَ منّي على الرّغم من دراستي الأكاديميّة. لقد أصبح مطلوباً من الرّواية الحديثة أن تقدّم المعلومة لا أن تحكي سيرةً شخصيّة بما حدث معها أو مشاعرها، أو وصف الأمكنة والانتهاء بعبرةٍ أو انطباع. المعلومة مُختلطةٌ في الحدث الرّوائيّ كما في روايات "دان براون" الشّهيرة، و"أمين معلوف، ويوسف زيدان"، ولذلك فقد أصبح الرّوائيّ يدرسُ ويتعمّق في المواضيع التي ينوي أن يتناولها في عمله، ويستفيد دون شكّ من معارفه الأخرى المتحصّلة في الجامعة والصّفوف المُتخصّصة، وقد أجريت بحثاً عن الدّيانة المندائيّة واستخرجتُ نصوصاً من الإنترنت بلغاتٍ أخرى، ودرست هذه اللغات، من أجل روايتي الأخيرة، إضافة إلى اطّلاعي بشكلٍ سطحيّ على علم الجمال، وعالم الفراشات، وحقاً الأسطورة المحور في الرّواية أسطورةُ "ليليث".

  • في روايتك "إذا سورية سألت" يمتزج الواقع بالتّاريخ والأسطورة. كيف يمكن للقارئ والناقد تلقّي روايةً بمثل هذا الكمّ المعرفيّ المُتداخل؟
  • ** أنتَ تعرف المدارس الأدبيّة، فبعضها يهتمّ بالنّصّ، وبعضها بالكاتب وبعضها بالمُتلقّي. هذا شأن النقّاد، الكاتب مهمّته أن يكتبَ، أمّا القرّاء فمتنوّعون، وكلٌّ منهم يتذوّق ويتلقّى بشكلٍ لا يمكن توقّعه، أمّا من حيث ضخامة العمل أو صعوبته فقد قالها في التّاريخ "أبو تمّام" جواباً عن سؤال: "لماذا لا تكتب ما نفهم"؟ قائلاً: "ولماذا لا تفهمون ما أكتب؟ وأنا أوافقه حقاً ودون شكّ؛ فالمثقّفون هم قادة المجتمع، وعليهم دفع الكُرة إلى الأمام ليتقدّم الناس لحاقاً بها، لا أن يستمرّوا في عناق السّائرين والتّربيت على جروحهم دون فتح دروبٍ ومسائرَ لهم.

  • تبدو روايتك كأنّها مجموعة قصص قصيرة تجمعها رواية واحدة. كيف تقرئين شكل الكتابة هذا؟ وأين أعمالك من النقد الحالي ومن التّسويق الأدبيّ؟
  • ** لقد سألتني عن عنصرين من عناصر العمل الأدبيّ الثلاثة المعروفة: سألت عن اللغة وعن المُحتوى الفكري، وفي سؤالك هذا تسأل عن العنصر الأخير: الأسلوب. أيضاً الأسلوب سِمةٌ خاصّة بكلّ أديب، شأنه شأن العنصرين الآخرين، وأدّعي أيضاً أنّني أتبع أسلوباً حداثويّاً في الرّواية، أسلوباً عُرِف في أعمالِ كتّاب عالميّين، لكنّه لم يدخلْ في الرّواية العربيّة إلا بشكلٍ محدود حتّى اليوم. وكما أسلفتُ فالأدب يعكسُ صورةً أبهى للحياة، فقد كان الأسلوب بسيطاً متقدّماً مع الزّمن في خطّ واحدٍ عندما كانت الحياة بسيطة، هادئة وشبه مفهومة، لكنّها تعقّدت اليوم، وأصبحت الأعماق النّفسيّة تتبدّى في سلوكيّات الأفراد؛ ما جعلها غير مفهومة، وهذا سيظهر في الأدب بأن تقلّ أهمّيّة عناصرَ روائيّةٍ تقليديّةٍ كالسّياق والتّشويق، بينما تتكوّن أحداثٌ مفردةٌ مُفرّقة تلتقي بخيطٍ ما في نقطة ما، أو تحثّ التّقاطعات في عوالم الرّواية بشكلٍ منطقيّ أو لا منطقيّ، وهذا ما كان في "إذا سورية سألت". أمّا النّقّاد؟؟ لقد انحسروا كثيراً، لكنّني سأكون عادلةً وأقول: إنّ الأزمة الأولى هي في التّوزيع، ففي بلادنا يقع التّرويج للكتاب على عاتق الكاتب نفسه كما تعلم، فروايتي الأولى "الزّمن المؤنّث" لم تصل إلا لمن أهديته إيّاها، وهذا تكرر معي في روايتي الثّانية "إذا سورية سألت"، وقد وزّعتُ ما استطعت، كما أقامت لي "جمعيّة العاديّات" في "طرطوس" حفلَ توقيعٍ للرّواية، وعندي بقيّة النسخ محفوظة في البيت.

    الشّاعر "مجد إبراهيم" تحدّث عن تجربتها بالقول: «تقدّم الرّوائيّة "لميس بلال" مثالاً نموذجيّاً عن الحداثة في الرّواية السّوريّة، لتكون الحداثة هاجسها في كلّ ما تقدّمه، فتخرج عن القوالب التقليديّة التي انسكب فيها الفنّ الرّوائيّ العربيّ، لتطرقَ أبواباً لعوالمَ عرفها هذا الفنّ في العالم، وأنا لا أبحث في أيّة رواية عن حكايةٍ أسير مع أحداثها حتى النّهاية بقدر ما أطلب الدّهشة المعرفيّة، والانبهار الشّعوريّ الذي أقتاتُ به عدّة أيّام بعد الانتهاء من قراءة الرّواية، وهذا باختصار ما وجدته في روايتها "إذا سورية سألت"».

    القاصّ والنّاقد "علي الشّاويش" قال: «أراها ماكرةً في سردها الرّوائيّ إلى درجةٍ نصدّق أنّها تقول الأحداث كما لو حدثت فعلاً في الزّمان والمكان، لنتخطّاه إلى واقعٍ مُوازٍ منسجمٍ مع طبيعة الفنّ الرّوائيّ، وغير خاضعٍ لجفاف الواقع الحقيقيّ؛ إذ مزجته مع الفنتازيا في رواية "الزّمن المؤنّث"، ومع الأسطورة في رواية "إذا سورية سألت". تجربتها لا تزال في بدايتها ومن الصّعب إعطاء حكم قيمةٍ عليها، غير أنّها لا بدّ ستثمر إلى شيءٍ فارق»

    يُذكر أنّ الرّوائيّة "لميس بلال" من مواليد "حلب" 1980، مارست كتابة العمود الصّحفيّ في صحيفتي "الاتّجاه الآخر، والمدار"، وأسّستْ "مُنتدى بانياس الثقافيّ" بمشاركة مجموعة من الأدباء في المدينة، وصدر لها روايتان:

    "الزمّن المؤنّث"، 2010.

    "إذا سورية سألت"، 2013.