تجربة الأديب "عبد الرحمن سيدو" هي من التجارب الأدبية الرائدة في النسيج القصصي السوري وقصصه تمثّلت فيها الإنسانية على نحوٍ جليّ وخاصةً في طبائع أبطالها.

الأديب "فواز حجو" يتحدث لموقعنا عن الأديب المرحوم "عبد الرحمن سيدو" وتجربته بالقول: «لقد عرفتُ الأديب "عبد الرحمن سيدو" منذ عقدين من الزمان، وذلك من خلال أول قصة استمعت إليها في إحدى الأماسي الأدبية، هذه القصة كانت بمثابة همزة وصل بيني وبينه إذ أعجبتُ بها وعلَّقتُ عليها في تلك الأمسية، ومن ثمَّ كانت الصداقة بيننا فجعلت منه إنساناً قريباً من القلب.

ابتعد ونأى عن ذلك العالم وتمرس في حل المشكلات العالقة في أروقة المحاكم ولكنه لم يترك لحظة حلمه بذلك العالم الزاخر بالخلاص والطهارة والفردوس. وعندما عاندته شرعية الوسط وخذلته عوالم الأدب ابتعد تاركاً المساحة والساحة لهؤلاء للذئاب والخراف، لم يكن يرغب بأي حراك أو عراك ثقافي ولأجل ذلك نأى بنفسه عنه وعن ذلك الوسط الذي صار صراعاً من أجل البقاء والوصول وتحقيق المكاسب ورضي أن يبقى بعيداً عن ذلك البقاء. لقد مات "عبد الرحمن سيدو" الذي عرفته المنابر وصفحات الجرائد قاصاً من الطراز الأول، وعلى امتداد الفضاء الشاسع للقصة السورية

لقد حظي "سيدو" بحبّ واحترام كثير من الأدباء في الوسط الأدبي لما كان يتَّصف به من دماثة أخلاق وحسن سيرة ونقاء سريرة، وهذا هو رصيده الأخلاقي في الوسط الأدبي وفضلاً عن ذلك كان إنساناً لم تخطئ شمائله مزايا الإنسانية وهذا ما حبَّبه إلى الناس وحبَّب الناس إليه، فمن يقرأ مجموعاته القصصية وما عالجته من قضايا إنسانية في شخوص أبطاله الذين حملوا قيماً سامية يلحظ بجلاء تلك الروح الإنسانية تتراءى هنا وهناك في قصصه ولذلك فإنّ أدبه أدب إنساني وهو صورة صادقة عن إنسانية صاحبه وكيف لا وقد انحاز هذا الأديب إلى حياة الناس البسطاء في الريف بكل ما يمثله من قيم نبيلة كانت شغله الشاغل إلى جانب شغله الفنّي في أدبه».‏

من قصصه المطبوعة

ويتابع "حجو": «ولد "عبد الرحمن سيدو" في قرية فريرية منطقة عفرين في العام 1951م، ‏تلقى تعليمه بين قريته و"عفرين" و"حلب"، عمل مدَّة في حقل التدريس، حصل على الإجازة في الحقوق ومارس المحاماة بين "حلب" و"عفرين"، كان عضواً في اتحاد الكتاب العرب- جمعية القصة والرواية، وكان عضواً في نقابة المحامين بحلب.

‏كتب القصة القصيرة والرواية ونشر نتاجه في الصحافة المحلية والعربية‏ وأول قصة نشرها كانت في مجلة "الموقف الأدبي" في العام 1976م وهي بعنوان "صرخة‏ في رماد الأرز" ثم نشر في مجلة "الأقلام" العراقية، كما نشر في جميع أعداد مجلة "الموقف الأدبي- الخاصة بالقصة، توفي في العام 2011م في "عفرين" ودفن في قريته "الفريرية" التابعة لناحية "جنديرس"».‏

الأديب فواز حجو

الأديب "أحمد خيري" يقول عن أعماله الأدبية وتجربته بالقول: «"بقعة ضوء في ذاكرة مغبرة"، "غناء البنفسج"، "الذئب" و"درجة ضغط 18" هي لوحات قصصية مذهلة في النسيج القصصي السوري لقاص كان له حضور هائل على الساحة القصصية السورية، فهو واحد من جيل الثمانينيات، خرج من الأرض الجبلية الصلبة، من سنديانة الزمن المر ومن رائحة البنفسج وعبق الريحان، من ذاكرة مغبرة حاول أن يرش بقعاً من أضوائه عليها، خرج من البنفسج وبيارات الزيتون، من عواء الذئاب ولوحة "جمشيد" و"آرتين"، ومن أحاديث النساء القرويات، من "خجو" و"زينو" ومن أزقة ذاكرة مغبرة ممحوة بالنسيان.

طاف بين الحقول ولم يترك زهرة إلا ونشر رحيقها بين ثنايا قصصه، فهو الذي حمل عبق الأرض ونسائم الريحان ورماها في وجوه الأحبة والأصدقاء وعلى ذرا الجبال حيث أشعل نيرانه قافزاً فوق شراراتها محترقاً بلهيبها، رمى علينا جمراته وانكساراته واحتراقاته ومضى، دون أن يبخل بالرشاقة التي أفاض بها علينا.. فكانت قصصه كلها شرارات وجمرات واحتراقات».

حفلة تأبين للمرحوم في اتحاد الكتاب العرب

وتابع: «كيف ننسى قصة "الذئب" وهو يصارع الكلب ويغلبه والراعي مستمتع، ولكن الذئب لا تعجبه تلك الأخلاق، أخلاق الراعي فيتذكر قولة أمه: أي بني لا ترحم الراعي الذي لا يبالي بموت كلابه، أهلك خصيتيه ببأس وانتظر موته بسعادة ثم ابك الذي قتلته، وكيف ننسى "لوحة جمشيد" التي خلدها في تصويرة "خالد بديع" وغناء بنفسجاته التي تعبق برائحة الأرض والتراب والخلود، إنه "عبد الرحمن سيدو" الذي نزف قهراً وسفراً بين "عفرين" مدينته التي ولد فيها وترعرع و"حلب" التي تركنا فيها ورحل حاملاً معه زوادته من خبز وطين وملح وأغان.

لقد كان الأديب "عبد الرحمن سيدو" من جيل توهم أن الكتابة هي الخلاص وهي الطهارة وهي الفردوس.

فتح عينيه على حالة عايشها هو وأبناء جيله وهي أن الكتابة هي الملاذ من هجير الواقع وهي الخلاص من الفقر والظلم ولكن ذلك العالم ظل يعاند أحلامه وأحلام جيله وأصبح كالسراب».

ثم أنهى حديثه بالقول: «ابتعد ونأى عن ذلك العالم وتمرس في حل المشكلات العالقة في أروقة المحاكم ولكنه لم يترك لحظة حلمه بذلك العالم الزاخر بالخلاص والطهارة والفردوس. وعندما عاندته شرعية الوسط وخذلته عوالم الأدب ابتعد تاركاً المساحة والساحة لهؤلاء للذئاب والخراف، لم يكن يرغب بأي حراك أو عراك ثقافي ولأجل ذلك نأى بنفسه عنه وعن ذلك الوسط الذي صار صراعاً من أجل البقاء والوصول وتحقيق المكاسب ورضي أن يبقى بعيداً عن ذلك البقاء. لقد مات "عبد الرحمن سيدو" الذي عرفته المنابر وصفحات الجرائد قاصاً من الطراز الأول، وعلى امتداد الفضاء الشاسع للقصة السورية».