يكتب الشاعر "بكري حنيفة" الشعر لمجرد الكتابة ويحمل في تفاصيل وجهه شفافية ساعدته على سهولة وصوله إلى قلب قارئه.

متناقض حتى الكمال، في دمه حرارة الهنود الحمر وبرودة الإنكليز، هو مزاج يتنقل بقدمين، هكذا اختار الشاعر "بكري حنيفة" أن يعرف عن نفسه بكلمات وتعبيرات بسيطة تجسد حالته كما يريد.

هو نديم الحرف والتعبير، لديه رهافة في حسه قل نظيرها، يحب بجنون ويكره بمحبة، لو قدر لكلماته بعض الدعم والتسويق لما قل شأنه عن شأن كبار شعراء الأغنية في سورية، ما يميزه أنه يكتب لمجرد الكتابة، لا ينتظر شيئاً من أحد، يعتبر الشعر رسالته في الحياة، أتمنى له مزيداً من الدعم عسى أن يأخذ مكانه الصحيح الذي يستحق

مدونة وطن eSyria التقت الشاعر بتاريخ 30/1/2013 فتحدث بالقول: «ولدت ضمن ظروف استثنائية ومتناقضة مثلي، من أب حلبي وأم دمشقية التقيا في مدينة "القامشلي"، وجدت هم الكتابة يؤرقني من سني عمري الأولى، فعشقت بذلك المطالعة وكنت قارئاً نهماً للمواضيع المختلفة التي أهتم بها، ومن خلال قراءاتي تعلمت البحور الشعرية على السليقة والفطرة، وكانت أول محاولة للكتابة في الصف السابع، وأذكر أن مدرس اللغة العربية آنذاك الأستاذ "محمد حمادة" صفعني على وجهي بسبب هذه القصيدة التي مزجت فيها بين الحب العذري وحب الوطن والقومية العربية، فكانت تلك الصفعة من أستاذي كي يعلمني حسن التصرف مع المواضيع التي أعالجها بحروفي، وقد قلت في تلك القصيدة:

مع الفنان "حمام خيري"

"في قلبي أنة مجروح من سكرات الليل الحائر

في ثغري بحة مظلوم من آهات السجن الكاسر

في جلسة مع الأصدقاء "حمام خيري"، "مروان مشو"

في زندي رمح من نار يعطي يتدفق ويثابر

من أجل أمتنا الكبرى من أجل الثورة والثائر

مع الأستاذ "صالح بكداش"

نعطي ونظل كما نحن نبذل ونضحي ونغامر

فقضيتنا كالبركان يتفجر في قلب الغائر

وحممه شعب عربي للحرية دوماً ناصر

يأبى الظلم ويأبى القيد لا يسكت للقدر القاهر"

في هذه المرحلة كنا قد عدنا إلى "حلب" وبدأت العمل بصياغة الذهب التي هي مصلحة آبائي وأجدادي، وتركت الدراسة لكني لم أترك الكتاب، وبقي الهم الإبداعي يرافقني أنّى توجهت، وكتبت قصائد كثيرة قبل أن أذهب لخدمة العلم التي شاءت الظروف أن تكون في لبنان، وهناك بدأت مرحلة جديدة من حياتي الاجتماعية والأدبية وكنت رغم ظروف الخدمة المعروفة قادراً على التواصل مع الناس في الخارج، أعجبني في لبنان الطبيعة والناس ورأيت فيها بيئة مناسبة للإبداع فبقيت فيها بعد انتهاء خدمتي خاصةً أني تعرضت لإصابة أفقدتني حاسة اللمس في أصابع اليد اليمنى الضرورية جداً للعمل في الصياغة، وأنا كنت من الأساس لا أحب هذه المصلحة فتحولت من صياغة الذهب إلى صياغة الحروف».

وتابع: «في لبنان انخرطت في المجتمع الثقافي النخبوي، الشيء الذي صقل لي موهبتي وجعلني أستقر على نهج متأثر بجمال الطبيعة وتنوعها ما زاد إعجابي بهذا البلد الرائع، وتحولت غايتي فقط لمجرد البقاء فيه، فعملت بائعاً متجولاً ثم في تجارة المعجنات ثم في مكتبة لبيع القرطاسية وهمي الأول هو استمرار إقامتي لا غير.

في مجال الكتابة كنت كإناء فارغ أنهل من الجميع ما استطعت، وابتعدت في كتاباتي عن همومي قليلاً لأكتب عن البلدين الأغلى على قلبي سورية ولبنان، لأكتب عن همومهما ومعاناتهما وقضاياهما. وفي العام /1995/ وبعد فترة وجيزة من خوضي في الكتابة الفصحى تشجعت على الخوض في كتابة الشعر المحكي، وفي رصيدي الآن ما يربو على الخمسمئة قصيدة باللغة العربية الفصحى، وثلاثمئة أغنية تنتظر فرصتها للظهور».

وعن عودته من لبنان وأهم الخطوات التي قام بها في "حلب" يضيف الأستاذ "بكري" فيقول: «في العام /2002/ عدت إلى "حلب" لأُفاجأ بمستوىً أدبي غاية في الانحدار، ولأجد "مراهقي فكر" يظنون أنفسهم شعراء، إضافة لمستوىً متدنٍ بخصوص الأمسيات الأدبية والإقبال عليها، وكان أن شاركت بأمسية لاتحاد الكتاب العرب لم تكرر، وعكفت في هذه المرحلة على كتابة الأغنية، وكان التعاون الأول مع الفنان "نهاد نجار" عام /2008/ إذ غنى من كلماتي وألحانه أغنية للأم بعنوان "ست الكل". وسبق ذلك في العام/2003/ أن تعرفت على الفنان "حمام خيري" وآمنت بفنه ونهجه، فغنى من كلماتي عدة أغانٍ منها: "بمحراب عيونك"، موشح "هانت عليك مشاعري"، "ناقوس وآذان"، موشح "داري قلبي في شرابي" وأغنية لنادي الأهلي "الاتحاد".

ولأنه يتملكني منذ فترة طويلة هاجس البحث عن الأجمل في فلكلورنا الحلبي الذي نباهي به وعلى مبدأ "غرسوا فأكلنا، فلنغرس كي يأكلوا". وجدت في بعض الأغاني التراثية أنها قد فرغت تماماً من المعنى على مر السنين وتحولت- وهي بهذا الشكل- إلى ذاكرة اجتماعية فنية تعتمد الروائية فقط مبتعدة بذلك عن جوهرها وتصاعدية النص لذائقة المتلقي، فرأيت من الضروري أن ينبري أحدٌ ما للذود عن حمى الجمال في هذا التراث، واكتشفت أن الشاعر المرحوم "أنطوان مبيض" قد سبقني لتلك الخطوة فأحببت أن أضيف غراساً جديدة وأكمل المسيرة، وعليه عدلت عدةَ أغانٍ غناها الفنان "حمام خيري" أيضاً ونذكر من تلك الأغاني: "طولك يا نبعة ريحانة"، "زوالف يا بو الزلف"، "آمان يا قلبي"، "عموري يا عموري"، "يا طيرة طيري يا حمامة"، "يا صاح الصبر وهى مني"، "طلعت يا محلا نورها" وأغانٍ أخرى كثيرة.

واليوم هناك عدة تجارب مع فناني "حلب" الشباب مثل "مراد حلمي"، "علي بطل"، "نائل حزواني"».

ثم أنهى حديثه بالقول: «وأنا رغم عدد القصائد التي كتبتها إلا أن ما غني منها كان قليلاً نسبياً، ذلك لأني أرفض التنازل ولا أساوم على قصائدي من وجهة نظر مادية، أضف إلى ذلك أنني أحب قصائدي جداً ولكل منها ذكرى جميلة في داخلي لأنني شاعر حالة ولست بناظمٍ ومرتب للكلمات، فإما أن تغنى كما هي أو لا تغنى، ولدي في أرشيفي كما أسلفت عددٌ كبير من القصائد الغنائية التي تناسب نمط الكثيرين من فناني الوطن العربي لكن صعوبة الوصول إليهم وغياب شركات الإنتاج هو ما يحول دون أن ترى هذه الأعمال النور».

عازف الإيقاع "صالح بكداش" وهو صديق قديم لبكري، قال عنه: «هو نديم الحرف والتعبير، لديه رهافة في حسه قل نظيرها، يحب بجنون ويكره بمحبة، لو قدر لكلماته بعض الدعم والتسويق لما قل شأنه عن شأن كبار شعراء الأغنية في سورية، ما يميزه أنه يكتب لمجرد الكتابة، لا ينتظر شيئاً من أحد، يعتبر الشعر رسالته في الحياة، أتمنى له مزيداً من الدعم عسى أن يأخذ مكانه الصحيح الذي يستحق».

يذكر أن الأستاذ "بكري" من مواليد مدينة "القامشلي" عام /1969/ وهو مقيم اليوم في "حلب".