حين قرر الكتابة بدأها صغيراً ما جعل جملته الشعرية التي دونها في ديوانه الأول وقصيدته الأولى جملة ناضجة، ومحصنة من الاغراق في المبالغة أو التبسيط، فنقرأ معه من "خلف زجاج قطاره" قصائد تأخذنا إلى عوالم مفتوحة للجميع ليقرؤوها ويقرروا معه جمال ألوانه التي أرادها محملة بأكثر من معنى، وأكثر من سؤال.

هو الشاعر السوري "رعد يكن" الذي التقيناه في موقع eAleppo وكان الحوار التالي:

من يقرأ قصائد الشاعر "يكن" يحس معه بوجع الانسان من خلال رمزية واضحة طرحها من عدة جوانب سواء كانت سياسية، أو تاريخية، أو دينية، وحتى الحب عنده كان رمزا لحالة حسية عالية نقلها عبر صور مبتكرة. أعتقد أن الديوان الأول لهذا الشاعر يبشر بنجاح منتظر لدواوينه القادمة

  • حين نقرأ إهداء الصفحة الأولى من ديوانك "خلف زجاج قطار" يشدنا هذا الاحترام للأنثى، ما يعكس تاريخاً من حياتك يحكي عن تربيتك في عائلة تحترم المرأة وتقدرها.. هل نسمع رأيك في ذلك؟
  • غلاف الديوان الشعري

    ** زمانياً، لا يمكن للمرأة أن تكون تاريخاً فقط، هي عمر يلازم الرجل، بكل مراحل حياته، وقد لا أستطيع إضافة الكثير حول المرأة لكني أقول رأيي وأختصره مستندا إلى مقولة ابن عربي: "كل مكان لا يؤنث لا يعوّل عليه". سيكون العالم سيئاً جدا لو كان كله رجال فقط .

    بالنسبة لي تربيت في عائلة غلب عليها الطابع الفني فكنّا (الفنان التشكيلي: سعد يكن، والمطرب الفنان: فهد يكن، وأنا). تأثرت كثيرا بلوحات أخي "سعد" وكيفية إعادة رؤيته للمرأة من خلال لوحاته، فكانت المرأة بخاطري مخلوقاً خرافياً جميلا يفقد قدسيته في حال وجوده، لذلك الشاعر يسعى نحو تأثيث هذه القصائد بالمرأة "الآلهة" لما لها من تأثير على الفن والإبداع .

  • في قصائدك نقرأ تحالفك مع ألوان الفرح وكأنك تريد أن تدعو دائماً إلى أمل قادم، هل تعتقد أن من مهمات الشاعر أن يدعو إلى هذا الأمل حتى لو لم يكن موجودا؟
  • ** لا يمكن للشاعر أن يكون مؤكداً لشيء، أو ملغياً لشيء، هو عين أخرى للإنسان برؤية جديدة أكثر شمولية وأكثر انفتاحا وتعددية على الثقافات. عين تعيد صياغة الأشياء حسب رؤيتها، وموضوع الأمل برأيي يحتاج إلى معطيات أكثر من الحلم، ومع كل هذا السواد المحيط بنا علينا أولا معالجة (العُمي ) قبل أن نشعل لهم الشموع في الظلام. تحالفي مع ألوان الفرح (وخاصة اللون الأبيض) هو نوع من السفر وليس الأمل.

  • أيضاً نقرأ في ديوانك رمزية واضحة "لتابوهات محرمة" لكنها أساسية في حياتنا، فلماذا لا يلجأ الشاعر ضمن رؤيتك إلى المباشرة أحيانا في طرح ما يراه جدلياً؟
  • ** الشاعر أو الرسام او اي مبدع آخر يحتاج مساحة من الحرية لطرح موضوعاته، قصدت بكلمة (الحرية) عدم ربط العمل الفني أو الأدبي بحاجة ما أو مشروع ما إلا الكتابة فقط، وهذه الحرية متوافرة بنسبة مقبولة بالنسبة لي، أما موضوع التابوهات والحديث عنها بشكل رمزي فالسبب هو طريقتي واسلوبي في الكتابة إذ انني متأثر جدا بالأدب الرمزي وقصيدة النثر وأشعر انه (الأدب الرمزي) الجزء الأهم في طريقة تعبيري، المباشرة في الطرح فيها رتابة تفقد القارئ لذه الإدهاش بينما الرمز يفتح أبوابا للجدلية والتأويل اكثر.

  • كيف يمكن للشاعر أن ينقل هواجسه فيمارس دوراً سياسياً أو اجتماعياً من خلال كلماته؟
  • ** الموضوع هنا يعتمد على جماهيرية هذا الشاعر وانتمائه السياسي ورغبته أولا في نقل هذه الهواجس أم لا، ثم مدى تأثيره في الآخرين وبصراحة أنا لست مع الأدب الرسائلي جدا، رسائل "نزار قباني" و"محمود درويش" و"أحمد مطر" و"مظفر النواب" وغيرهم، كلها لم تصل الساسة، جل ما فعلوه أنهم مارسوا سلطة الجمال وسلطة الرفض والموقف، هؤلاء فتحوا ثغورا في أرواحنا وأرواح الجيل الرافض لكينونة وجوده بهذه الطريقة وكل ما بقي منها أدبياتها وتداولها بين القراء. الموضوع يتعلق أيضا بنوعية هذه الهواجس، وبالمقابل الشاعر مطالب طبعا أن يكون له موقف مما يدور حوله، لكن بعد المتنبي لم أر شاعرا مارس دورا سياسيا وأدبيا معاً.

  • من يقرأ أحوال عالمنا اليوم يشعر بأننا نعيش قلقاً دائماً، فهل تعتقد أن الشعر صار "تقليداً بائتاً" للخروج من هذا القلق؟
  • ** الإنسان (بشكل عام) في حالة قلق دائم، كل منا يبحث عن نافذة (ما) ليلقي منها هذا القلق، يكون الشعر (للبعض) تلك النافذة رغم تأثيره اللحظي.

  • إذاً.. كيف يختصر الشاعر برأيك الأزمنة الصعبة التي يمر بها عالمنا العربي فيكتب عنها؟
  • ** قبل أن يكتب عنها يجب أن يقرأ هذه الأزمنة بشكل صحيح أولا، يقرأ الأديان، التاريخ، الأسطورة والفن، وتكون لديه القدرة على رؤية هذه الأزمنة من عدة جوانب، هو فقط يعيد قراءتها بتلك العين التي تكلمت عنها سابقا وربما قدم رؤية (حل) بأسلوبه لزمنه المعيش، مع أننا شعوب تعودت على التنظير والتحليل، وعدم تقديم الحلول.

  • إلى أي حد تنحاز إلى الكتابة النثرية مقابل الشعر؟
  • ** عندما أكتب لا أفكر بالإطار، فقط أكتب وأمضي لا يهمني الشكل الأدبي بقدر ما يهمني موضوع ما كتبت.

  • كيف يمكن لنا تجاوز الأزمة التي تشهدها الثقافة العربية في وقتنا الحاضر حسب رأيك؟
  • ** الأزمة ليست في الثقافة العربية فقط، ولكن تحديدا مقولتك عن الثقافة العربية تجعلني أتجه نحو القارئ، فكما يوجد هناك شاعر مبدع، برأيي القارئ أيضا يجب أن يكون مبدعاً بطريقة ما، لكننا للأسف لم نتعود القراءة للثقافة بل للتعليم فقط وعند حل هذا الموضوع تنفتح امامنا أبواب الحلول. ما أكثر الكتّاب وما أقل القراء.

    أيضا مع غياب دور الناقد تصبح الكتابة مطيه سهلة لكل من يرغب في البكاء والبوح على صدر (الأنترنت) وعالمه المفتوح، لست ضد التجارب والمحاولات أنا فقط ضد غياب التقييم.

    قدمت الكاتبة "ريم بدر الدين" لمجموعته الشعرية فكتبت:

    "رعد يكن" لا يصوغ الجملة العادية، وإنما يشكل الكلمات في إطار جديد هي الكلمات ذاتها، ولكنها ارتدت ملابسها بطريقة مختلفة تستثير ذكاء القارئ كي يستيبن ملامحها بنفسه؛ عندها يدرك أنها منذ دخلت هذا الكتاب صارتْ أخرى، وَقَدْ باتت مشغولة جداً بحمل رسالة.

    وفي مجموعته يؤكد أن نظرية الأدب من أجل الأدب سقطت بتقادم العهد. الأدب لا يمكن إلا أن يكون رسالة في كل أحواله. وإن كنا في وقت ما عانينا من خطابية الأدب الرسالي، ومباشرته، فإننا هنا نجد أن الثورية والرمز والصور غير المسبوقة قد أخذت مكانها بكل جدارة على السطور؛ لتكوّن قصائد من نوعية السهل الممتنع.

    وفي حديث هاتفي مع الشاعر السوري "خليل عصاصة" قال عن رأيه بالديوان:«من يقرأ قصائد الشاعر "يكن" يحس معه بوجع الانسان من خلال رمزية واضحة طرحها من عدة جوانب سواء كانت سياسية، أو تاريخية، أو دينية، وحتى الحب عنده كان رمزا لحالة حسية عالية نقلها عبر صور مبتكرة. أعتقد أن الديوان الأول لهذا الشاعر يبشر بنجاح منتظر لدواوينه القادمة».

    يذكر أن الشاعر "رعد يكن":

    مواليد حلب، 1967

    مهندس ديكور خريج جامعة "تومسون سكرانتون" في ولاية "بنسلفانيا "الأمريكية 2001 م

    صدر له ديوان قصائد نثرية بعنوان "خلف زجاج قطـار" عن مؤسسة "صوت القلم العربي".